fbpx

AA Banner Right Join SAE Network 450

اقتصاد

اقتصاد (12)

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر لظهور فايروس كورونا في العالم لم يعد الحديث عن ارتفاع الطلب على منتجات الاقتصاد الرقمي أمراً تنبئياً، بل أصبح واقعاً، فأسهم الشركات الصينية العاملة في مجال الألعاب على الانترنت، وخدمات الصحة الرقمية، والعمل عن بعد والتعلم عن بعد حلقت في بورصة "هونغ كونك" في النصف الأول من شهر فبراير/ شباط الماضي، ومازالت حتى تاريخ كتابة هذه السطور تحقق مكاسب ضخمة.

ليست الشركات الصينية النشطة في الاقتصاد الرقمي وحدها من حققت مكاسب بل سرعان ما ارتفعت أسهم الشركات الرقمية في جميع أنحاء العالم، كل ذلك يمر بهدوء على نشرات الأخبار العالمية في ظل الأخبار الأكثر سوداوية والتي تجلب معها حالة "هلع" غير مبررة والتي تحد من قدرة أصحاب الشركات الناشئة والأعمال الصغيرة على التفكير بإمكانية التكيف واستغلال الفرص لإيجاد حلول وبدائل توائم الظرف الراهن، والمؤقت.

أدت حالة الحجر الصحي المنزلي إلى ضرورة البحث عن بدائل للحصول على سلة من الخدمات التي لا يمكن توفيرها إلا عبر تطبيقات الهواتف الذكية ومنصات الانترنت، هكذا فسرا خبراء اقتصاديون الأسباب التي أدت إلى نمو مكاسب الشركات الرقمية وهي تبدو أسباب بسيطة وواضحة، لكن، وبما أن وباء كورونا ليس نهاية العالم، فإن الحالة الاضطرارية سوف تنتفي بمجرد رفع حالة الطوارئ الصحية، وهو ما بدأ يحدث بشكل تدريجي في الصين، فالحياة في اقليم خوبي الصيني (الذي كان مركزاً لانتشار وباء كورونا) بدأت تعود الى طبيعتها، فهل يعني هذا أن الأسواق سوف تصحح نفسها بعد أشهر، وفي أبعد تقدير سنة؟ إذ كان الحديث عن شركات التجهيزات والألبسة الطبية، فالفرضية الأكثر ترجيحاً هي أن ينخفض الطلب على منتجاتها، مع انحسار انتشار الفيروس، أما بشأن الشركات الرقمية فمن المرجح أن تشهد استمراراً في نموها، يمكن اعتماد هذه الفرضية انطلاقاً من ثلاثة عوامل رئيسية:

أولاً: نمو الخدمات عبر الانترنت غير تقليدية

ظهرت خلال الفترة الماضية مجموعة من الخدمات عبر الانترنت لم تكن موجودة من قبل وأخرى لم تكن شائعة في الأسواق الأقل استهلاكاً للخدمات الرقمية ومن تلك الخدمات ما تقدمه شركة بيلوتون لدراجات التدريب المنزلية والتي تملك ميزة التواصل مع متدربين آخرين عبر شبكة الانترنت حيث ارتفع الطلب على هذه الخدمة بأكثر من 50% خلال فترة قياسية، كذلك الخدمة التي اطلقتها شركة Netflix كبديل عن المشاهدة الجماعية في صالات السينما التي أغلقت أبوابها، يمكن أن نلاحظ أيضاً نمواً هائلاً في الخدمات الطبية عن بعد وفي هذا الشأن ترى سارة ويلسون المديرة التنفيذية في NHS Digital (مركز معلومات الرعاية الصحية والاجتماعية) "بأن فايروس كورونا سوف يدفع الناس نحو الرقمنة بوتيرة سريعة، الأمر الذي سيؤدي إلى التحول في بيئة القطاع الصحي ليصبح أكثر رقمنة". قد تكون الرعاية الصحية عن بعد في عدد من الدول، لاسيما الغربية، ليست بجديدة فالولايات المتحدة مثلاً متقدمة بالفعل في عملية التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية، لكن المتغير الحالي هو سرعة وشمولية هذا التحول، ودخول مفهوم الرعاية الصحية الرقمية إلى أسواق جديدة، كالأسواق العربية التي مازالت فيها الرعاية الصحية عن بعد خدمة غير تقليدية.

ثانياً: الاستثمار في التحول الرقمي

بالرغم من إجراءات التحول الرقمي التي قامت بها الكثير من الشركات حول العالم إلا أن الغالبية العظمى من الشركات مازالت تعتمد على بيئة العمل التقليدي، والتي تفتقر إلى المرونة الكافية للاستمرار في العمل في ظل الظروف الراهنة، الأمر الذي يجبرها على تسريع عملية التحول الرقمي كنقل أعمال موظفيها إلى المنازل واعتماد تكنولوجيا الحوسبة السحابية، وتقنيات الاجتماعات عن بعد واعتماد المتاجر الإلكترونية والتسويق الرقمي لبيع منتجاتها، وغيرها الكثير من إجراءات التحول الرقمي التي اضطرت الشركات لتنفيذها في سبيل استمرار أعمالها، وبطبيعة الأحوال تلك العمليات ليس مجانية، فهي تتطلب من الشركات نفقات باهظة، تقدم لنا الجامعات في استراليا مثالاً عن ذلك : فلقد أجبرت العديد من الجامعات التي تستقبل الطلاب الدوليين القادمين من الصين على تجهيز منشآتها وكوادرها لإطلاق برامج التعليم عن بعد للطلاب الدوليين الذي اضطرتهم الظروف للعودة إلى بلادهم، وبفعل هذا الاستثمار السريع في التحول الرقمي لا يمكن للشركات بعد انحسار وباء كورونا أن تتخلى عن تلك الاستثمارات التي أنفقتها عليها، بل سوف تظل متمسكة بها، وهو ما يرجح أيضاً من فرضية استمرار نمو منتجات الشركات الرقمية في المستقبل.

ثالثاً: تجربة تغيير بيئة العمل والاستهلاك

يرتبط عامل التجربة بالعاملين السابقين، فاكتشاف الشركات لمزايا بيئة الأعمال الرقمية، سوف يدفعها للاستمرار في تطوير نموذج العمل الرقمي والتخلي عن العديد من أدوات العمل التقليدية، أما على صعيد الاستهلاك، وهو الأهم، فتتجلى من خلال تغيير سلوك المستهلكين فالملايين من المستهلكين لم يكن لديهم أي تجربة أو تعامل سابق مع منتجات الشركات الرقمية، كالتعلم والطب عن بعد، وخدمات التوصيل والمنتجات الإلكترونية وغيرها، إن خوض مستهلكين جدد تجربة الاستهلاك عبر الانترنت سوف يمكن الشركات الرقمية من تعزيز قاعدة عملائها، "فاقتصاد الحجر الصحي" كما بات يطلق عليه في الصين سوف ينمي عادات استهلاكية جديدة فالأشخاص الذين يضطرون اليوم لهذه التجربة قد يتحولون إلى عملاء دائمين في المستقبل.

على الرغم من الأخبار المتشائمة حول تباطؤ النمو العالمي تظهر التجربة الصينية حتى الآن إشارات مختلفة، فبعد انحسار وباء كورونا في الصين، تشهد المحال التجارية في الصين ارتفاعاً في حجم مبيعاتها والتي تجاوزت المستويات المسجلة في نفس الفترة من العام الماضي، وهو مؤشر جيد حول إمكانية تصحيح الأسواق لنفسها في الفترة التي ستلي انتهاء حالة الطوارئ الصحية، كما تفيد التجربة الصينية بأن الشركات التي تجيد التأقلم في الوقت الحالي عبر التحول الرقمي سوف تحقق مكاسب مستقبلية من خلال استغلال حالة "الطلب المكبوت" على المنتجات التي سببها الحجر الصحي.

 

العلاقات الاقتصادية السويسرية-المصرية بعد مرور 110 عاماً

شهد يوم 25 آذار/مارس الفائت حفلاً اقامته السفارة السويسرية في مصر بمناسبة مرور 110 عاماً على العلاقات المصرية- السويسرية بحضور وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية سحر نصر و إيجنازيوكاسيس، وزير خارجية سويسرا، وسفير سويسرا في مصر بول جارنييه وتعكس رمزية الاحتفال تاريخية العلاقات بين البلدين التي تعود بدايتها الى عام 1908 حينما وقعت اول اتفاقية ذات طابع تجاري بين البلدين ليتلوها عدة اتفاقيات كان ابرزها في عامي 1930 و1950، كما تأتي هذه الاحتفالية الى جانب الزيارات المكثفة بين المسؤولين المصريين والسويسريين وكذا لقاءات وفود رجال الاعمال من كلا البلدين, تأتي لتعبر عن مدى اهتمام كلا الجانبين في تعزيز أواصل العلاقات الاقتصادية لاسيما بعد أن ثمرت الجهود المبذولة في السنوات القليلة الماضية توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية لعل اهمها اتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 2007 بين مصر و ورابطة دول الإفتا حيث تعتبر سويسرا العضو الاهم في الرابطة.

 

نقف في هذا المقال على تحليل حجم وطبيعة التبادلات الاقتصادية بين البلدين بعد مرور110 عاماً على العلاقات الاقتصادية المصرية-السويسرية في محاولة لاستشراف اتجاهاتها المستقبلية، بهدف الكشف عن الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة امام رواد الاعمال العرب-السويسريين وذلك من خلال استعراض التبادلات التجارية والاستثمارية بين البلدين.

 

التبادلات التجارية السويسرية-المصرية نمو وتنوع في الهيكل السلعي

عَرفت التبادلات التجارية المصرية-السويسرية تطوراً لافتاً خلال الأعوام السابقة، وذلك من ناحيتي تنوع الهيكل السلعي ونمو في حجم التبادلات التجارية. يظهر الشكل رقم (1) مسار تطور التبادلات التجارية منذ العام 2001 والتي ارتفعت من 206 مليون دولار في عام 2007 الى 826 مليون دولار في 2008 بمعدل نمو يفوق ال300%، وتعود النقلة النوعية في حجم التبادل التجاري بين البلدين مع بداية العام 2008 لدخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، وقد استمرت التبادلات التجارية بين البلدين بالنمو لتصل الى اكثر من مليار دولار في عام 2017، وذلك بعد عودة الصادرات المصرية الى سويسرا للنمو بعد التراجع الذي أصابها بفعل الظروف السياسية في عامي 2013 و2014، كما شهدا عامي 2016 و2017 تغيرا نوعياً في الهيكل السلعي للصادرات المصرية، فبعد ان كانت صادرات الذهب الخام تستحوذ على اكثر من 85% من اجمالي صادرات مصر الى سويسرا في السنوات السابقة فإنها شهدت تراجعاً لحساب دخول السلع البتروكيماوية الى سلة السلع المصرية المصدرة الى سويسرا حيث احتلت الصادرات البتروكيماوية حوالي الـ 15% من اجمالي الصادرات المصرية الى سويسرا في عام 2017 فيما أصبحت الصادرات من الذهب الخام تستحوذ على حوالي 76%، ولا يعود دخول الصادرات البتروكيماوية المصرية الى طفرة في الاتفاقيات التجارية بل الى التطور الحاصل في الصناعات البتروكيماوية في مصر منذ العام 2015، اما عن الصادرات المصرية الأخرى فتتركز على المنتجات القطنية والسجاد وبعض السلع الغذائية، فيما تتركز الصادرات السويسرية الى مصر على الذهب المطلي بالبلاتين، والأدوية، والآلات والمعدات، وساعات اليد.

 

 

مصر فرص استثمارية كبيرة وبوابة سويسرا الى القارة الافريقية

بلغت عدد المشروعات السويسرية في مصر أكثر من 400 بحجم استثماري فاق المليار دولار وذلك في عام 2016 كما شهدت الاستثمارات السويسرية في مصر نموا مطردا بزيادة 400 مليون دولار خلال العامين الماضيين فقط، لتتحول مصر الى ثالث أكثر جهة مستقبلة للاستثمارات السويسرية في القارة الافريقية.

يظهر الشكل رقم (2) توزع الاستثمارات السويسرية في مصر من حيث القطاعات الاقتصادية، حيث يظهر القطاع الصناعي، والذي يبلغ حجم الاستثمار فيه حوالي 462 مليون دولار، مستحوذا على 42% من اجمالي الاستثمارات السويسرية في مصر يليه الاستثمار السياحي، والتي تحتل فيه سويسرا مركز رياديا على مستوى العالم، وقد بلغ الاستثمار فيه 246 مليون دولار بنسبة 23%.

 

 

القاريء الكريم: هذا المقال هو جزء من تقرير موسع حول العلاقات الاقتصادية السويسرية-المصرية. اذا كنت ترغب في الحصول على التقرير كاملا الرجاء الانضمام الى قائمة مشتركي نشرتنا الشهرية على الموقع.

 

أدى الانتشار الكثيف للمعلومات عبر شبكة الانترنت، وفي ظل تنوع المرجعيات العلمية، الى ايجاد فوضى معرفية حول العديد من المفاهيم العلمية المنتشرة عبر الشبكة، ولعل المفاهيم المرتبطة بالعلوم الاجتماعية كانت الأكثر عرضة للفوضى المعرفية التي تسبب سوء فهم وخلط مفاهيمي، فبخلاف العلوم التطبيقية فإن العلوم الاجتماعية تعتمد على الفهم الذاتي المستمد من الواقع المعاش وهو ما يختلف من بقعة جغرافية الى أخرى ناهيك عن المشكلات المتعلقة بالترجمة والمعاني المختلفة التي تحملها اللغات والنظم الاجتماعية المتنوعة، ولقد كان لمفهوم الاقتصاد الرقمي نصيبه من سوء الفهم هذا. نحاول في هذا المقال الوصل الى فهم أفضل لمفهوم الاقتصاد الرقمي وأهم مظاهره والفرص الاستثمارية التي قد يخلقها لرواد الأعمال في العالم العربي.

 

من اقتصاد المعرفة الى نموذج أعمال جديد

قبل حوالي العقد من الآن سيطر مفهوم اقتصاد المعرفة للإشارة للتحولات التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات وسرعة ومدى الاتصال عبر الانترنت الذي أحدث بدوره تحولاً في طبيعة القيمة والنشاط الاقتصادي المبني على المعرفة وليس على عملية الإنتاج الكثيف وعوامل الإنتاج الأخرى (الطبيعة, رأس المال) حيث أصبحت المعرفة المتمثلة بالعامل البشري المورد الأعلى ثمناً في إنتاج الثروة من خلال قدرتها على إبداع الابتكارات العلمية التي من الممكن أن تحقق أرباحاً مرتفعة دون الحاجة لتوفر رأس مال مالي ضخم فمن أهم خصائص اقتصاد المعرفة أن تكلفة إعادة إنتاج المنتج تكون منخفضة جداً (كإعادة نسخ البرمجيات الجديدة لبيعها مع الاحتفاظ بحق الملكية الفكرية لها) وبالرغم من عدم حداثة هذا المفهوم حيث بدء استخدامه منذ منتصف القرن العشرين إلا أن التطورات المتلاحقة في حجم ونوعية الاتصالات الشبكية والتكنولوجية جعلت من عملية استخدامه أكثر إلحاحاً، وعادةً ما تقدم شركة مايكروسوفت وابل وغيرها من الشركات البرمجية على أنها نماذج عن اقتصاد المعرفة أما الاقتصاد الرقمي فهو الاقتصاد الذي يعتمد على استخدام التكنولوجيا الرقمية التفاعلية والخدمات الالكترونية لتغيير الأعمال وتأسيس نماذج أعمال جديدة تعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي لتحفيز الإنتاجية في القطاعات المختلفة بما ينعكس على تطور الاقتصاد وبناء مجتمع جاذب للشركات والأعمال والأفراد والاستثمار والمعرفة، اذاً ما هو الاختلاف بين المفهومين السابقين؟ يظهر الاختلاف بالانتقال نحو نموذج العمل الجديد الذي يحدثه الاقتصاد الرقمي فالتحول الرقمي يمكن أن يحدث في أي منشأة مهما كانت طبيعة عملها وذلك من خلال الاستفادة من الفرص التي يُتيحها الاتصال السريع وتطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التفاعلية التي تجعل من عملية الإنتاج والإدارة والترويج مرقمنة وتفاعلية مع المستهلكين. باختصار هو تحول جذري في نموذج العمل إلى نموذج عمل جديد يواكب البيئة التكنولوجية الحديثة وبهذا المعنى يمكن لمحال الوجبات السريعة أن تكون جزءً من الاقتصاد الرقمي أي أن تعمد للتحول الرقمي من خلال التغيير الشامل في نموذج عملها، وهو ما يشكل الفرق الجوهري بين مفهوم الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة ومصطلحات أخرى كاقتصاد الانترنت (القيمة الاقتصادية المستمدة من الاتصال على الانترنت كالتجارة الإلكترونية) فالتحول الرقمي يعد المظلة التي تشتمل على المفاهيم الأُخرى من قبيل اقتصاد المعرفة والتجارة الإلكترونية واقتصاد الانترنت كما يمكن اعتبار الثورة الصناعية الرابعة التي تشكل البيانات الكبيرة، وانترنت الأشياء، وتطبيقات الهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والحوسبة السحابية الشق المادي للاقتصاد الرقمي الذي يمكن أن يحدث في أي نوع من المشاريع باختلاف نوعية نشاطها سواء اكان خدمي أو سلعي.

 

   إن التحول الرقمي يجب أن يكون عملية شاملة واستراتيجية وليس مجرد تغيير تكتيكي في أحد نشاطاتها، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات والأفراد يستخدمون التقنيات لمجرد تنفيذ المهام الحالية على الكمبيوتر، فإن الاقتصاد الرقمي أكثر تقدماً من ذلك. وهو لا يستخدم ببساطة جهاز كمبيوتر لإجراء المهام بصورة تقليدية كان يتم إجراؤها يدوياً أو على أجهزة تمثيلية كإحلال البرامج المحاسبية بدلاً من المحاسبة الورقية. فالتحول الرقمي في قطاع الخدمات لم يعد يعني التجارة الإلكترونية بمفهومها التقليدي بل تذهب الرقمنة الخدمية إلى ما هو أبعد من ذلك فهي تعني القدرة على التفاعل مع الزبون من خلال تحليل البيانات الخاصة به ومعرفة تفضيلاته وتقديم النصائح والارشادات له عبر تطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التفاعلية.

 

وهنا يُطرح التساؤل هل التحول إلى نموذج الأعمال الرقمي ضرورة؟ أي لماذا يجب على الشركات التي لم تتحول بعد إلى النموذج الرقمي أن تجري هذه العملية؟ يكمن الجواب بالتكلفة والمنافسة فمكننة الإجراءات الداخلية واستخدام التكنولوجيا الحديثة تخفض من تكاليف الشركة في المدى البعيد، فحسب موقع TechCrunch المختص بقضايا الاقتصاد الرقمي فإن شركة علي بابا، أكبر شركات التجارة الإلكترونية لا تملك أي مخازن، كما ان Uber، أكبر شركة سيارات أجرة في العالم، لا تملك أي مركبات. وAirbnb، أكبر شركات تأجير العقارات، لا تملك أي عقارات وكما هو معروف فإن فيسبوك، صاحب أكبر شبكة تواصل اجتماعي حول العالم لا يخلق أي محتوى.

إن نموذج العمل الذي تقوم عليه تلك الشركات هو بالذات ما منحها الميزة التنافسية في السوق فالزبائن اليوم تبحث عن الشركات التي تسهل وتخفض من تكلفة تقديم الخدمة لها وتمنحها القدرة التفاعلية في اختيار الخدمات أو المنتجات التي تقدمها. فالشركات المنافسة تعمل على تحديث منتجاتها أو تحديث الطريقة التي تقدم فيها تلك المنتجات وإشراك الزبائن في اختيار عملية تقديم تلك الخدمة أو المنتج أي تقدم مزايا إضافية للزبون تدفعه للتخلي عن منتجات أو خدمات الشركات التقليدية التي اعتاد الشراء منها وبالتالي سوف تخسر تلك الشركات زبونها الحالي وزبائن محتملين أي تنخفض حصتها في السوق، بل وربما تخرج من السوق بشكل نهائي، وهو ما حدث فعلاً للعديد من الشركات خاصةً في الدول المتقدمة، ففي قطاع الخدمات على سبيل المثال خرجت الكثير من وكالات الحجوزات والرحلات السياحية ومكاتب تأجير السيارات والعقارات التي تعمل وفق الطرق التقليدية من السوق بعد أن حلت مكانها الشركات التي تعمل وفقاً لنموذج الأعمال الرقمي أو تلك التي تحولت لذلك النموذج فهي وبخلاف الشركات التقليدية، تمتلك منصات تفاعلية مع الزبائن وتطبيقات برمجية تعمل على الهواتف الذكية حيث أصبحت تقدم خدماتها عبر الانترنت وباستخدام الخوارزميات والذكاء الصناعي التي جعلت من الزبون أكثر قدرة على معرفة تفاصيل الخدمة المقدمة ومنحته خيارات أوسع من ناحية انتقاء شكل ونوع الخدمة. فالرحلات السياحية التي كانت تنظمها الشركات التقليدية كانت مجهولة من قبل الزبون أما اليوم فبإمكانه اختيار الحجوزات التي تناسبه ومسار رحلته فقط عبر بضعة ضغطات على المنصات التفاعلية، وهنا يبرز التحول الرقمي في قطاع الخدمات بشكل واضح حيث انتفت الحاجة لشركات الوساطة التقليدية وحل مكانها الشركات الرقمية الرائدة التي تربط أصحاب الخدمة (مالكي الأصول، عقارات وسائل نقل البضائع...) والزبائن.

 

نحو اقتصاد جديد

نحيا اليوم في عصر التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي احدثتها ثورة علمية وتقنية جارفة فإن البقاء على الطرق التقليدية في العمل أصبحت تعني بالضرورة الخروج من السوق بعد فترة قد لا تطول فسرعة انتقال التكنولوجيا لم تعد تسمح للطرق القديمة بالاستمرار لوقت طويل كما كان قبل عصر الثورة التكنولوجية، فإذا كنت من أصحاب مشاريع بيع التجزئة ولا تتوفر لديك منصات لعرض المنتجات على شبكات التواصل الاجتماعي وموقع خاص على الانترنت فإنك سوف تكون بالكاد مرئي لمعظم الزبائن المحتملين لمنتجاتك، فالمستهلك اليوم لم يعد يبحث عن المعلومات المتوفرة في السوق (وفقا للمفهوم التقليدي للسوق) فالسوق قد انتقل لمكان اخر، والمقصود بذلك طبعا هو الانترنت.

 

إن الانتقال نحو رقمنة النشاط الاقتصادي أصبحت ضرورة لرجال الأعمال التقليديين كما تشكل في الوقت نفسه فرصة لرواد الأعمال العصريين في البدء بمشروعهم الريادي القائم على الرقمنة فالأسواق العربية تعتبر أرض خصبة وغير مستثمرة في الوقت نفسه لهذا النوع من الاستثمارات الريادية مع عدد مستخدمين لشبكة الانترنت يصل الى 266 مليون مستخدم وبمعدلات نمو في عدد المستخدمين هي الأعلى في العالم كما تشير التقديرات الى تضاعف معدل تدفق البيانات عبر الحدود التي تربط الشرق الأوسط ببقية دول العالم خلال العقد الماضي بما يتجاوز 150 ضعفًا بالرغم من ان استخدم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية عموما قائم على تداول الاخبار والتواصل والترفيه أي مازال استهلاكيا بالدرجة الأولى لكن وبالرغم من سلبية نوعية الاستخدام إلا انها تعني أيضا وجود فرص متاحة وغير مستثمرة، بالمقابل تبدي بعض الدول العربية ولا سيما دولة الامارات العربية المتحدة تقدما ملحوظا نحو الانتقال الرقمي مع وصول نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي من اجمالي الناتج المحلي الى 4.3% (إحصاءات عام 2017) مع نمو مرتفع يفوق باقي القطاعات الاقتصادية، كما وصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية في الامارات الى 100% منهم 72% يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي وهي معدلات تفوق نظيرتها في الولايات المتحدة الامريكية، كما اطلقت عدد من دول مجلس التعاون الخليجي كالبحرين والسعودية عدد من المبادرات المعنية بالتحول الرقمي.

 

إن رائد الأعمال بحاجة دائماً للبقاء على تواصل مع آخر الابتكارات العلمية كما يجب أن يتصف بالجرأة والاستعداد للتجريب وهو بالذات ما يفتقره العالم العربي لاسيما على المستوى الاقتصادي، فالتجريب هو أساس الابتكار، فيمكن لتلك التجربة أن تكون بدايتك لإطلاق مشروعك الريادي.


 

 

بين التيسير والتشديد الكمي إلى أين تتجه رؤوس الأموال 3؟

يلعب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دوراً كبيراً في تحديد اتجاهات الاقتصاد الأمريكي، لكن القليل من المستثمرين يفكرون بالتأثيرات غير المباشر لسياسات الاحتياطي الفيدرالي خارج الولايات المتحدة. في المقالين السابقين عالجنا موضوع التيسير الكمي وآلية تأثيره في حركة رؤوس الأموال عالمياً، في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة سوف نستعرض مفهوم سياسة التشديد الكمي وكيف يمكن لهذه السياسة ان تؤثر في اتجاهات رؤوس الأموال.

 

تشديد كمي

في 14 حزيران/يونيو 2017 أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن توقف عمليات السوق المفتوحة، أي عمليا اعلان توقف سياسة التيسير الكمي، لكن مع الإبقاء على حجم الميزانية العمومية ثابتاً أي إعادة الاستثمار في المشتريات دون شراء المزيد منها، وفي العام نفسه تم الإعلان عن رفع سعر الفائدة بواقع 0.25% واعيد رفع سعر الفائدة تسع مرات حتى وصل لحوالي 2.5% في نهاية 2018، وهو اعلى سعر فائدة منذ عشر سنوات. وبحسب الفيدرالي من المتوقع رفع سعر الفائدة مرتين في العام الحالي، كما اعلن التوقف عن عملية إعادة الاستثمار في سندات الخزينة وسندات الرهون العقارية وذلك بمقدار 50 مليار دولار شهرياً ترافق ذلك مع توضيحات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن نيته تطبيع ميزانيته، أي جعل حجمها طبيعيا، وهو الاسم الرسمي لسياسة التشديد الكمي حيث سيعمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سحب السيولة التي يراها فائضة من الأسواق الى حين تنخفض حجم ميزانيته الى الحجم الذي يراه طبيعياً دون وضع سقف لذلك.

 

لماذا التشديد الكمي الان؟

إذا كان لسياسة التيسير الكمي كل تلك الفوائد التي رأينها في المقالين السابقين فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو لماذا التشديد الكمي الآن؟ الجواب في كلمة التضخم، تبرز مشكلة الانجراف الى التضخم بشكل جدي بعد ان ضخت البنوك المركزية الكبرى المليارات في شراء أصول الشركات المالية والمصارف الخاصة بهدف تحسين وضعها المالي، وهو ما أدى بدوره الى ارتفاع أسعار تلك الاصول وتحسن مؤشرات الأسواق المالية، و ما يؤكد ذلك التحسن المؤشرات الإيجابية التي يظهرها الاقتصاد الأمريكي حيث انخفضت معدلات البطالة الى اقل مستوى لها منذ عام 1969 (3.7 %) كما ان معدل التضخم الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي قد وصل إليه بالفعل وهو بحدود ال 2 % وتبقى مهمة الاحتياطي الفيدرالي الان في الحفاظ على هذا المستوى من التحسن وعدم الدخول بموجة تضخم مفاجئة، لذلك ارتأى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأن الوقت قد حان لإعادة تطبيع الميزانية العمومية.

ان الحفاظ على هذا المستوى من التشغيل يحتاج الى ضخ الكثير من الاستثمارات أي جذب رؤوس الأموال الى الولايات المتحدة الامريكية، وذلك بعد الخروج الكبير لرؤوس الاموال باتجاه الأسواق الناشئة خلال فترة التيسير الكمي، وتترافق تلك السياسة مع الحرب التجارية التي اعلنها ترامب على العديد من الدول رغبةً منه بإعادة توطين تلك الاستثمارات داخل الولايات المتحدة، وتثبيت التحسن الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ توليه لمنصب الرئاسة، ومثلما كان التيسير الكمي غير مختبر في السابق فإن التشديد الكمي أيضا لم يسبق ان تم اختبار نتائجه الامر الذي يثير مخاوف الكثير من المستثمرين في الأسواق الناشئة من تداعيات تلك السياسية النقدية الجديدة.

 

نظرة عامة

يعتمد تقويم اثار سياسة التشديد الكمي على طبيعة النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة. ففي حين تعتمد الصين على سياسة التصدير-في الصناعات التحويلية بشكل خاص- فإن انخفاض قيمة عملتها مقابل دولار يعتبر محفزا لزيادة صادراتها بينما تتأثر الأسواق الناشئة الأخرى التي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية في نموها الاقتصادي، فاذا كان نجاح الأسواق الناشئة في استقطاب المستثمرين خلال فترة التيسير الكمي يعود الى العوائد المرتفعة على الأسهم والسندات والقدرة على تمويل عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات الحكومية والخاصة عبر الاقتراض الرخيص، بسبب ارتفاع سعر صرف عملاتها مقابل الدولار الامريكي، الذي كان متوفرا بسبب السيولة الضخمة التي عرضت في تلك الأسواق، فإنه يمكن لأسعار الفائدة المرتفعة أن تجذب المزيد من المستثمرين إلى الولايات المتحدة وتؤدي إلى خروج رؤوس الاموال من الأسواق الناشئة. يمكن لهذا الاستثمار الأجنبي المنخفض أن يضع الفرامل على النمو الاقتصادي في العديد من الاقتصادات التي تعتمد على مثل هذه الاستثمارات.

 

ارتفاع عبء الدين

استفادت العديد من حكومات الأسواق الناشئة من أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة للاقتراض بالدولار الأمريكي. على سبيل المثال، اقترضت جنوب إفريقيا بشدة عندما كان الدولار منخفضًا واستخدمت العائدات للمساعدة في تمويل نموها واحتياجاتها من الميزانية. ساعدت هذه الديناميات العديد من الأسواق الناشئة على التفوق في الأداء على مدى السنوات العديدة الماضية، ولكن هذه الاستراتيجية يمكن أن تعود عليها بنتائج عكسية عندما يرتفع الدولار من حيث القيمة وتصبح هذه الديون أكثر تكلفة.

الأخبار السيئة هي ان عملات الأسواق الناشئة قد بدأت بالفعل في الانخفاض، خسر البيزو الارجنتيني 50% من قيمته، ووصلت خسائر الليرة التركية الى حوالي 43% فيما خسرت الراند (جنوب افريقيا) 16% وسط توقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيزيد أسعار الفائدة في العام الحالي. الامر الذي يزيد من صعوبة تسديد الديون المقومة بالدولار الامريكية ليس فقط بالنسبة لحكومات هذه الدول بل أيضا بالنسبة للشركات الخاصة.

ان ارتفاع قيمة الدين الخارجي، يعني ان الاحتياطيات من العملات اقل من المبالغ المطلوب تسديدها لخدمة الدين الخارجي ودفع قيمة الواردات، الامر الذي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض التصنيف الائتماني وارتفاع تكلفة الاقتراض إذا ارتفع الدولار الأمريكي من حيث القيمة، وما يعنيه ذلك من صعوبة الحصول على التمويل اللازم للاستثمار في النمو.

 

انخفاض قيم الصادرات

تعتمد العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة على الصادرات السلعية-المواد الأولية بشكل خاص المرتبطة تاريخياً بالدولار الامريكي- لدفع نموها الاقتصادي. على سبيل المثال، تعتمد البرازيل وروسيا بشدة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، في حين تعتمد تشيلي والبيرو على نطاق واسع على النحاس والسلع الصلبة الأخرى. ان ارتفاع أسعار تلك السلع على مدى السنوات العديدة الماضية، حيث يتم تسعيرها بالدولار الأمريكي، كانت تعني الحاجة لدفع المزيد من الدولارات لشراء "قيمة" السلع نفسها، الامر الذي أدى الى ارتفاع قيمتها امام الدولار.

إذا ارتفع الدولار من حيث القيمة، سوف ينعكس على أسعار السلع التي تشهد مزيدًا من الضغط نحو الهبوط، شهدت أسعار خام الحديد في الأيام القليلة الماضية انخفاضاً هو الأكبر منذ عشرة سنوات, كون معظم سلع الأسواق الناشئة تباع بالدولار الأمريكي فإن هذا يعني أنها ستدر عائدات أقل بالقيمة الحقيقية. يمكن أن يترجم انخفاض الإيرادات إلى تباطؤ النمو وانخفاض التقييمات للشركات التي تركز على السلع التي تعمل في الاقتصاديات الناشئة.

قد يجادل البعض بان انخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة سوف يساهم في تعزيز الصادرات لكن هنا نتحدث عن انخفاض وليس تخفيض أي ان الامر لم يتم عبر قرار إداري صادر بشكل مدروس عن البنوك المركزية لتلك الدول، بل هو انخفاض يعود الى محددات العرض والطلب على تلك العملات، كما يعتمد على مرونة الطلب لهذه السلع, وعلى مدخلات عوامل الإنتاج والتي سوف ترتفع قيمة استيرادها بانخفاض قيمة العملة وهذا سوف يؤدي بأفضل الأحوال الى نتيجة صفرية. ويجب عدم اهمال الانعكاس السلبي لانخفاض قيمة العملة على الاستثمار الأجنبي في تلك الدول.

 

تقلب في اسعار الأصول

ومن بين الصدمات الأقل مباشرة، وربما الأكثر جوهرية، تقلب أسعار الأصول نتيجة لهروب رؤوس الاموال. وبالنظر إلى أن الرافعة المالية تزداد بشكل ملحوظ عندما يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة وتقلص التكلفة العالمية للتمويل، فإن الزيادة المفاجئة في التكلفة التمويل ونقص رأس المال المحلي قد يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركات وأسعار الأصول بشكل كبير. ولن تؤدي أسعار الأصول المتعثرة هذه إلى ارتفاع مستوى المديونية بسرعة فحسب، مما يزيد من عبء الديون في بلد ما، بل إنه يضعف أيضا جودة الأصول في المؤسسات المالية للبلد، التي عادة ما تتعرض لمخاطر تقلبات كبيرة.

من المرجح أن تقدم أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة تحديات جدية للأسواق الناشئة، خاصة تلك التي تعاني من ضعف في التمويل الخارجي مثل البرازيل وتركيا وجنوب إفريقيا أو الحكومات والشركات والبنوك التي لديها مبالغ كبيرة من الديون المقومة بالدولار والتي أصبحت خدمة دينها أكثر تكلفة.

 

العالم العربي

يبقى العالم العربي الأقل تأثرا في سياسة التشديد الكمي, وذلك يعود لجملة من الأسباب أهمها توفر الفوائض المالية المتحققة من تصدير النفط والاحتياطيات الضخمة من العملات الاجنبة وهو الامر الذي يكاد ينحصر بدول مجلس التعاون الخليجي ويضاف الى ذلك الإصلاحات الهيكلية التي تقدم عليها دول المجلس عبر تقليل اعتمادها على صادرات الطاقة في تحقيق النمو وتخفيض الدعم الحكومي وتقديم التسهيلات للعمليات الاستثمارية المنتجة, في حين يتوقع ان تحقق الدول العربية الخارجة من الحروب معدلات نمو هي الأعلى في العالم للسنوات القليلة المقبلة (حسب تقديرات البنك الدولي) و مرد ذلك ان تلك الدول سوف تدخل في مرحلة إعادة الاعمار في سنوات المقبلة مما يفسح المجال لتحقيق نمو مرتفع (يضع البنك الدولي اليمن في المرتبة الأولى من حيث نمو بمعدل 14 % في عام 2019 وهو اعلى معدل نمو عالمياً في حين تحل ليبيا في المرتبة الثانية بحوالي 7 %) فيما تبقى كل من لبنان والأردن ومصر من الدول العربية الأكثر عرضةً للتأثر بسياسة التشديد الكمي بسبب معدلات الدين العام المرتفعة والتي تصل الى اكثر من 160 % من اجمالي الناتج المحلي في لبنان.

 

الخاتمة

في الختام لا يمكن القول بشكل مطلق وعام بأن رؤوس الأموال سوف تهرب من الدول الناشئة وكأنه قدر محتوم، فالأمر بالنهاية يعتمد على مدى حكمة متخذي القرارات الاقتصادية في تلك الدول. يتعين على الاقتصادات الناشئة أن تتخلى عن نموذج النمو "الفقاعي" قصير الأجل الذي تغذيه الديون وتقلبات حركة رؤوس الأموال، وأن تجد طرقها الخاصة لزيادة وتيرة التنمية الاقتصادية. وعندما يحدث ذلك فقط، ستتمكن من تجاوز اعتمادها على الدورة الاقتصادية العالمية، والتعرض الحساس لسياسات النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فمهما كانت التداعيات التي تفرزها السياسة النقدية أو غير النقدية الصادرة عن الدول المتقدمة فإن الديناميات الذاتية في الأسواق الناشئة تبقى المحدد الرئيس لمدى حسن سير النمو الاقتصادي.

كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة عن سياسة التيسير الكمي التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي تم استخدامها أيضاً من قبل البنوك المركزية الكبرى (الأوروبي، الياباني، البريطاني) في محاولة للتخفيف من حدة آثار أزمة الرهن العقاري في عام 2008، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وكيف أدت هذه السياسات إلى التضخم في المعروض النقدي لتلك الدول (خاصةً في الولايات المتحدة حيث تضخمت القاعدة النقدية مرتين على الأقل) ولقد كشفت العديد من الأبحاث عن وجود علاقة طردية ما بين سياسة التيسير الكمي، وعلى وجه الخصوص التخفيض غير المسبوق لسعر الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والتي وصلت إلى الصفر، وما بين خروج رؤوس الأموال من الولايات المتحدة بشكل رئيسي إلى الأسواق الناشئة. أما عن القنوات التي انتقلت بها رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة وكيف أثرت بها، فهذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني من هذه السلسلة، ولكن وقبل الخوض في الإجابة عن تلك التساؤلات لابد من التعريج أولاً على مفهوم الاقتصاديات الناشئة ليتكون لدينا فهم أفضل عن هذا المفهوم والمعايير التي تضع الدول في خانة الدول الناشئة.

 

أسواق ناشئة

بدء مصطلح الأسواق الناشئة بالتداول في الأوساط الأكاديمية منذ العام 1981 للإشارة إلى تلك الاقتصاديات التي بدأت بالظهور "النشوء" على الساحة الاقتصادية العالمية، أي تلك الدول التي أصبحت أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي، وخرجت من هامشه لتكتسب وزناً على الساحة الاقتصادية الدولية. و يرتبط ظهور مفهوم الاقتصاديات الناشئة بالثورة التقنية وانتقال الإنتاج الاقتصادي في الدول المتقدمة من الاقتصاد الحقيقي إلى الاقتصاد الخدمي وضيق الفرص الاستثمارية وانخفاض هامش الربح في الدول المتقدمة الأمر الذي حفز على انتقال رؤوس الأموال إلى الدول الناشئة (انتقال موجة التصنيع) ويتم تصنيف الدول الناشئة وفق مجموعة من المعايير التي تضعها مؤسسات مختصة كمورغان ستانلي و ستاندارد أند بورز وهي تعتمد بتصنيفها بشكل أساسي على درجة تطور أسواق الأسهم والرسملة السوقية للشركات المدرجة فيها، والحصص المسموحة للمستثمرين الأجانب بتملك هذه الأسهم، أي التصنيف يُحدد لغايات استثمارية بحتة خاصة بالمؤسسات الاستثمارية الدولية، وتعد كل من قطر والإمارات ومصر وتركيا وجنوب افريقيا من الدول الناشئة في منطقة الشرق الأوسط و افريقيا، و في أمريكا اللاتينية تعد البرازيل والمكسيك وتشيلي من أبرز الدول الناشئة في حين تعتبر كل من الصين والهند وماليزيا واندونيسيا من أهم الدول الناشئة في جنوب وشرق آسيا.

 

الربح والمخاطرة

من المعروف أن الشركات الاستثمارية تضع الفرضية التقليدية القائلة بأنك إذا أردت أن تحقق المزيد من الأرباح فعليك الاستثمار في الدول الناشئة لكن عليك أن تتحمل المخاطر التي ترافق تلك الارباح، أما إذا رضيت بالقليل من الربح لكن مع توفر هامش أمان أكبر مما هو متوفر في الأسواق الناشئة فعليك الاستثمار في الاقتصاديات المتقدمة. لكن الأمور لا تسير على هذا النحو دائماً، فبخلاف هذه العلاقة الجدلية التقليدية ما بين المخاطرة والربح وما بين الاستثمار في الاقتصاديات المتقدمة أم الناشئة، فإن أزمة العام 2008 حملت تغيرات معها، إذ أصبحت المخاطرة تشكل جزءاً أكبر من حسابات المستثمر في الدول المتقدمة! في حين بدت أسواق الاقتصاديات الناشئة أكثر استقراراً ونمواً، ومع توفر عامل السيولة مدفوعة بسياسة التيسير الكمي ازدادت عملية انتقال رؤوس الأموال طوال فترة تطبيق تلك السياسة، أي يمكن لنا القول ان اقتران عامل السيولة (او ما بات يعرف بالأموال الرخيصة) وعامل ارتفاع المخاطرة كان كفيلا بازدياد تدفقات رؤوس الأموال من الدول المتقدمة إلى الدول الناشئة.

 

بلغة الأرقام

تشير الإحصائيات إلى تضاعف تدفقات رؤوس الأموال من السوق الأمريكية إلى الأسواق الناشئة خلال فترة التيسير الكمي (انظر إلى الرسم البياني) ولقد شكلت المحافظ الاستثمارية القناة الأوسع لانتقال رؤوس الأموال باتجاه الأسواق الناشئة، وهو ما يعيدنا إلى مفهوم الأسواق الناشئة، أي ارتباط هذا المفهوم بمدى توفر أسواق مالية تسمح بانتقال سلس للاستثمارات عبر المحافظ الاستثمارية من خلالها، وبالتالي فإن الأسواق الناشئة هي الأكثر تأثراً بالتغيرات في السياسات النقدية الحاصلة في البنوك المركزية الكبرى، والتي يأتي في مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولم يقتصر انتقال رؤوس الأموال من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة بشكل مباشر، بل ان مليارات أخرى انتقلت عبر أسواق مالية عالمية كسوق هونغ كونغ وسوق لندن، ففي دراسة نشرت عام 2015 تحت عنوان "تدفقات رؤوس الأموال خلال فترة التيسير الكمي" أشارت إلى أنه من أصل 800 مليون دولار انتقلت إلى الأسواق الناشئة خلال برنامج التيسير الكمي الأول هنالك فقط 40 مليون دولار انتقلت بشكل مباشر، أي بدون تلك الأسواق المالية المتطورة كان من غير المتوقع أن تصل التدفقات النقدية إلى مثل تلك المستويات غير المسبوقة، ولقد ساهمت تلك التدفقات وكما توضح الأرقام بارتفاع معدلات النمو إذ وصلت في الأسواق الآسيوية الناشئة بالمتوسط إلى 7.1 بالمائة وفي أسواق أمريكا اللاتينية إلى حوالي 5.8 بالمائة في عام 2010 وهي أعلى من المعدلات التي كانت عليه قبل أزمة 2008 ! (وهو ما يعكس الاستجابة السريعة لتلك الأسواق مع سياسة التيسير الكمي).

إذن يمكن القول إن آثار سياسات التيسير الكمي كانت بشكل عام إيجابية على المدى القصير والمتوسط من حيث أنها زادت الإنتاجية في الأسواق الناشئة عبر تخفيض تكلفة الإنتاج (الإقراض أصبح أقل تكلفة) ومن ناحية أخرى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة مما ساهم بتحقق معدلات نمو وتشغيل مرتفعة أنعشت الأسواق بعد فترة الركود التي مرت بها في سنتين 2008 و2009.

 

تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصاديات الناشئة

(اميركا اللاتينية)

          تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصاديات الناشئة

(آسيا بدون صين)

     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آثار جانبية

بالرغم من إيجابيات سياسة التيسير الكمي على كل من الدول المتقدمة والناشئة إلى أن تلك السياسة لم تخلو من أثار سلبية بسبب تعقيدات الأزمة المالية...فبالنسبة للدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية كان لهروب رؤوس الأموال من أسواقها إلى أسواق الدول الناشئة آثار سلبية، فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لم يضخ تلك السيولة لتذهب لخارج الولايات المتحدة بل كان الهدف منها انعاش الاقتصاد الأمريكي، ولقد عبر رئيس الاحتياطي الفيدرالي في حينها بن برنانكي عن ذلك بوضوح خلال اجتماع البنك المركزي الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 عندما انتقد السياسات النقدية غير المنتظمة للدول الناشئة، والتي تسببت بتدفقات رأسمالية كبيرة إليها. أما بالنسبة للدول الناشئة فالمخاوف تكمن في ارتفاع حجم المديونية، فالسيولة العالية التي تدفقت إلى هذه الأسواق جعلت الحكومات والشركات ((مدمنة على الأموال الرخيصة)) إن ارتفاع حجم المديونية سواء للشركات الخاصة أو الحكومات ومع وضع نوعية التدفقات الرأسمالية التي أخذت شكل أسهم وسندات أكثر مما أخذت شكل استثمارات أجنبية مباشرة في الحسبان، وما يعنيه ذلك من إمكانية الانتقال السريع لرؤوس الأموال هذه من الدول الناشئة بالاتجاه المعاكس أو باتجاه دول أخرى دفعت الكثير من المراقبين - مع أي انتكاسة يتعرض لها سوق ناشئ - للتنبؤ بالعودة لأزمة التسعينات التي أصابت ((النمور الآسيوية)) أو ما هو أسوأ من ذلك أي الوقوع في أزمة مديونية مشابهة لما حدث في ثمانينات القرن الماضي. إن الإشارة لمثل تلك الاحتمالات كانت لوقت طويل مجرد تكهنات تفتقر إلى المعلومات الكافية إلا أن التغير في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ أن أعلن في 14 حزيران يونيو 2017 عن البدء بسياسات نقدية جديدة عرفت اصطلاحاَ بسياسة التشديد الكمي تساعد على استشراف المستقبل عبر فهم الآلية الجديدة لعمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والذي أصبح من الواضح أن سياساته لا تقود فقط إلى التغير في السياسات النقدية عالمياً بل تلعب دوراً كبيراً في رسم مستقبل تلك الاقتصاديات، اما عن ماهية سياسة التشديد الكمي وكيف يمكن لها ان تؤثر في حركة رؤوس الأموال فهذا ما سوف نناقشه في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة.

(الجزء الأول)

 

يوم الاثنين الخامس عشر من أيلول/سبتمبر عام 2008 يعلن أحد أكبر وأعرق المصارف الأمريكية "ليمان براذرز" إفلاسه.

هكذا بدأ الإعلان الرسمي عن دخول الاقتصاد الأمريكي ولاحقاً العالمي عهد أزمة مالية باثنين أسود على غرار الاثنين الأسود في أزمة الكساد الكبير في عام 1929، واضعاً الإدارة الأمريكية في موقف لا تُحسد عليه، وإن كانت الأزمة الاقتصادية لم تهبط من السماء في ذاك اليوم، إلا أن محاولات الإدارة الأمريكية منذ عام 2000، أي بعد انفجار فقاعة الدوت كوم، وأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ، وما تبعها من انكماش اقتصادي، كانت قد باءت بالفشل ولم تحظى سوى بتأثير محدود لم يكن ليمنع انفجار أزمة الرهون العقارية في عام 2008 والتي جاء على أثرها إفلاس "ليمان براذرز" كتأكيد على أن الاقتصاد العالمي وقع في أزمة ركود لن تجدي معها السياسات الاقتصادية التقليدية للخروج منه إلى دورة اقتصادية جديدة، أي أن الاقتصاد الأمريكي بدى وكأنه عالقاً عند حلقة الركود، ونظراً لذلك شرعت المؤسسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بإتباع سياسات نقدية وصفت بأنها غير تقليدية، وقد عُرفت هذه السياسات مجتمعة باسم " التيسير الكمي ".

فما هي إجراءات التيسير الكمي، وكيف يمكن لهذه الإجراءات التأثير في تبعات أزمة الرهون العقارية، ثم ماهي إجراءات التشديد الكمي التي يتردد اصداءها هذه الأيام في وسائل الاعلام؟ وما علاقة تلك الإجراءات بحركة رؤوس الأموال عالمياً؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه من خلال سلسلة من المقالات تتناول أثر تلك السياسات في حركة رؤوس الأموال، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الحركات في عمليتي التمويل والاستثمار المباشر في الأسواق الناشئة.

 

الوقوع في المصيدة

عندما يمر أي اقتصاد بحالة من الانكماش في النمو فإن السلطات النقدية تعمد إلى تنفيذ إجراءات نقدية توسعية تتمثل في تخفيض أسعار الفائدة و التأثير بأسعار الصرف وشروط الائتمان بغية تحفيز النشاط الاقتصادي من خلال جعل كلفة الحصول على الأموال أرخص، ويزداد بذلك الطلب على الائتمان، إلا أن ما حدث خلال أزمة 2008 أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان قد اتبع تلك السياسات النقدية التوسعية مسبقاً، لكن استجابة المصارف لتلك السياسات كانت ضعيفة بسبب الأوضاع غير المستقرة ومخاطر الائتمان بالإضافة الى حالة العسر المالي التي أصابت العديد من المصارف و المؤسسات المالية الأمريكية ، فأسعار الفائدة على احتياطيات البنوك في الفيدرالي الأمريكي وصلت إلى 2 % في نهاية شهر حزيران/ واستمر الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة حتى وصلت ما بين (0-0.25%) وبدلاً من أن تعود البنوك إلى عملها الطبيعي، أي منحها الائتمان للقطاع الخاص، فإنها لجأت للاستثمار في أدوات مالية أكثر أماناً كسندات الدين الحكومية ذات التصنيف الائتماني المرتفع ( (AAA وعند هذه النقطة يمكن لنا القول بأن الاقتصاد الأمريكي قد وقع في المصيدة، مصيدة السيولة وهو مصطلح من ابتكار الاقتصادي البريطاني كينز، وهو يعبر عن الوضع الذي يصل فيه الطلب على النقود إلى مرحلة الإشباع، حيث يصبح ثابتاً عند وصول معدل الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، ومع إصابة الاقتصاد الأمريكي بهذه الحالة وازدياد حالة عدم الثقة والنظرة التشاؤمية في الأسواق مع تكرار حالات الإفلاس والعسر المالي للآلاف من المقترضين في قطاع الإسكان، سارع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للإعلان عن خطة إنقاذ طارئة.

 

خطة طارئة واستراتيجية

25 تشرين الأول 2008 يعلن الاحتياطي الفيدرالي عن خطة إنقاذ طارئة، عُرفت فيما بعد باسم "التيسير الكمي" ويُوصف التيسير الكمي بأنه أحد أشكال السياسات النقدية، التي تقوم بموجبها السلطات النقدية بشراء مروحة واسعة من الأصول المالية تهدف من خلالها لتسهيل عملية الائتمان عبر خلق النقود وتخليص السوق من الأوراق المالية السامة ( كالأوراق المالية عالية المخاطر المضمونة بعقارات سبق و انهارت أسعارها، بالإضافة الى القروض المعدومة) عبر دخول السلطات النقدية كمشتري لتلك الأصول من المصارف والمؤسسات المالية، وبذلك تنقذها من الانهيار وتجعلها قادرة على منح الائتمان من جديد وإعادة الثقة بوضع الأسواق. وهي سياسة طارئة من حيث أنها لا تُتبع في الحالات الطبيعية، وهي استراتيجية من حيث أنها تهدف الى إحداث تصحيحات اقتصادية طويلة الأجل من حيث الأثر والمدة.

 

على أرض الواقع

كما ذكرنا في السابق أن الفيدرالي الأمريكي لم يقف مكتوف الأيدي بل تدخل عبر خطة طارئة واستراتيجية، تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الأمريكي عبر سياسات نقدية سُميت بالتيسير الكمي ولقد تم تنفيذ سياسة التيسير الكمي عبر ثلاث برامج وهي:

  • برنامج التيسير الكمي الأول:

في 25 تشرين الأول 2008 أعلن عن خطة لشراء ما قيمته 100 مليار دولار من ديون الشركات المدعومة من قبل الحكومة، و500مليار أخرى من الأصول المدعومة برهون عقارية، ثم أعلن عن خطة شراء إضافية في آذار 2009، شملت 100 مليار دولار من ديون الشركات المدعومة من قبل الحكومة، و750 مليار دولار من الأصول المدعومة برهون عقارية، و300 مليار أخرى من سندات حكومية طويلة الأجل، وقد ضاعفت هذه المشتريات القاعدة النقدية في الولايات المتحدة الامريكية مرتين.

 

  • برنامج التيسير الكمي الثاني

3 تشرين الثاني 2010 تم الإعلان عن خطة شراء بقيمة 600 مليار دولار تشمل سندات حكومية، وذلك بهدف إرساء دعائم تحفيز النمو وإعادة التضخم إلى مستوياته المعتادة عند معدل 2 % سنوياً. عُرفت هذه الإجراءات بالبرنامج الثاني من التيسير الكمي، وقد صُمم خصيصاً لتخفيض معدلات الفائدة الحقيقية على السندات الحكومية في الأجل الطويل، ورفع معدلات التضخم.

 

  • برنامج التيسير الكمي الثالث

ظل النمو الاقتصادي بطيئاً على مدار السنوات الأربع التي امتد خلالها البرنامجين الأول والثاني، ولمواجهة ذلك أعلن الاحتياطي الفيدرالي في حزيران عام 2012، عن إجراء عملية ثانية لتبديل السندات، من خلال استبدال ما قيمته 267 مليار دولار من سندات الخزينة قصيرة الأجل بأخرى ذات أجل طويل. رغم ذلك استمرت بيانات سوق العمل في الولايات المتحدة بالتراجع، مما أقلق مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، ليعلن مجلس عمليات السوق المفتوحة في 13 أيلول 2012 عن برنامج جديد للتيسير الكمي، لكن بأسلوب مختلف هذه المرة، حيث سيتم الاستمرار بشراء الأصول لفترة طويلة عوضاً عن شراء كمية ضخمة منها دفعة واحدة، وبالفعل تم شراء 40 مليار دولار من السندات المدعومة برهون عقارية شهرياً، وفي 12 كانون الأول 2012، أعلن مجلس عمليات السوق المفتوحة عن إضافة 45 مليار دولار من السندات الحكومية طويلة الأجل إلى ال 40 مليار السابقة ليصبح إجمالي حجم المشتريات الشهرية من الأصول 85 مليار دولار شهرياً.

في كانون الأول عام 2013 أُبطئت عمليات الشراء بشكل تدريجي، و اُنهي البرنامج الثالث في تشرين الأول من عام 2014.

 

الى أين اتجهت تلك الأموال؟

ترتبط الإجابة عن هذا السؤال بمعرفة الآثار المحتملة لبرامج التيسير الكمي على المستوى الدولي، وللإجابة عن هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة على ميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

تشير ميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في بداية الأزمة عام 2008 بأن حجم الالتزامات المترتبة عليه قد بلغت 1 ترليون دولاراً، بينما وصلت حجم الالتزامات إلى 4.5 ترليون دولار بداية عام 2016!

يمكن تقسيم الزيادة في حجم الالتزامات الفيدرالي الأمريكي الى قسمين: 2.4 ترليون دولار وتتمثل بإجمالي حجم ودائع المؤسسات المالية، و1.4 ترليون دولار، كقيمة للأوراق النقدية المطروحة للتبادل. لكن ماذا تعني تلك الأرقام؟ بالنسبة للقسم الأولى تعني أن عمليات الشراء التي قام بها الفيدرالي الأمريكي قد تم تحويلها إلى ودائع للمؤسسات المالية التي اشترى منها الفيدرالي الأصول المالية، أي إن ما حدث فعلاً أن الفيدرالي الأمريكي قد حمل عبء الخسائر المحتملة والمحققة للبنوك والمؤسسات المالية على عاتقه منقذاً بذلك تلك المؤسسات ومعها القطاع المالي والاقتصاد الأمريكي من الانهيار، فالسيولة التي ضخمها الفيدرالي بقيمة 2.4 ترليون دولار بقيت حبيسة إدراجه، بينما انتقل 1.4 ترليون دولار إلى الأسواق المالية، كأوراق نقدية ، أي كدولارات قد طبعها الفيدرالي، وهو ما يفسر جزئياً حقيقة النسبة المنخفضة لمعدلات التضخم، التي لم تتجاوز في أعلى معدلاتها 5 % وذلك في عام 2009 ، وهي نسبة ضئيلة لاقتصاد يمر بأزمة مالية حادة، وتضاعفت فيه القاعدة النقدية مرتين !

الجزء الأهم الذي يفسر ذلك هو القيام العديد من الدول باستيراد سياسة التيسير الكمي (كالمركزي الأوروبي والبريطاني) من جهة ومن جهة أُخرى السياسات التي اتبعتها العديد من الدول الناشئة، كما حدث في الصين، حيث اتهمها بن برنانكي في عام 2010 بتقييم اليوان الصيني بأقل من قيمته الحقيقية، بهدف زيادة صادراتها الأمر الذي يمنح الصادرات الصينية ميزة تنافسية على حساب نظيرتها الأمريكية. بكلمات أخرى فإن سياسة المعاملة بالمثل قد جعلت من برامج التيسير الكمي التي تُحدث بشكل غير مباشر انخفاضاً في سعر صرف الدولار، غير ذات أهمية.

 

البداية لآثار بعيدة الأمد

من المؤكد أن سياسات التيسير الكمي لم تقتصر على الداخل الأمريكي، كما لم تقتصر على" حرب عملات" دولية، بل أن المتغير الأهم جرى في عمليات انتقال رؤوس الأموال، إذ تشير التقديرات إلى تدفقات خارجية كبيرة خرجت من الولايات المتحدة خلال فترة التيسير الكمي، وقد توجه قسم كبير من هذه الأموال نحو الأسواق الناشئة. فما هو أثر تلك التدفقات على الأسواق الناشئة، وما هي العلاقة بين حركة رؤوس الأموال هذه وإجراءات التشديد الكمي وحالة الانكماش الاقتصادي والعسر المالي التي تعيشها العديد من الدول الناشئة في الفترة الأخيرة.

هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في الأجزاء القادمة.... (الجزء الثاني)

محمد محمود عبد الرحيم، باحث اقتصادي

 

(هافينغتون) إن ريادة الأعمال اليوم أصبحت ثقافة للأعمال فى العالم وليس دول العالم الثالث فقط، بل إنها أصبحت تؤثر تأثيرا قويا على المؤشرات الاقتصادية للدول فى العالم، تسعى معظم حكومات دول العالم إلى تطوير سوق العمل وخلق بيئة عمل واستثمار مناسبة، وذلك في ظل مفاهيم إدارية حديثة مثل مفهوم ريادة الأعمال، ويمكن القول إن ريادة الأعمال هي الاعتماد على مشروعات صغيرة برأس مال صغير وفكرة مشروع مبدعة.

ورائد الأعمال هو إنسان رأس ماله الأساسي الموهبة الشخصية وقدراته ومهاراته التي من خلالها يستطيع اكتشاف الفرصة الصالحة لكي تكون مشروعاً مربحاً ويحاول تدبير الموارد اللازمة لها لتحويل هذه الفرصة إلى واقع عملي حقيق والتي تحاول من خلالها الدول الاعتماد على اقتصاد المشروعات الصغيرة وريادة الأعمال والتي أصبحت من أهم الأعمدة الرئيسية في الاقتصاديات العالمية ليس لما لها من تأثير اقتصادي ولكن لما لها من تأثير اجتماعي كأداة لحل مشكلة البطالة وغيرها من المشكلات، وتقوم الدول بعمل ما يسمي حضانات الأعمال Business incubator هي عبارة مجموعة من الخدمات تقدم للشركات الناشئة والتي تقدم أفكارا جديدة في سوق العمل.

فريادة الأعمال لها تأثير على مؤشرات الاقتصاد الكلى للدول من خلال تحفيز الاقتصاد بمشروعات جديدة صغيرة للشباب وتستقبل أيضاً فئات فى المجتمع مثل ذوى الاحتياجات الخاصة والأرامل وغيرها لتصبح قوة اجتماعية منتجة ومحفزة ورفع الضغط عن الحكومات فى إيجاد فرص العمل فى الأجهزة الحكومية كما أن هناك عوائد اقتصادية للحكومات من تشجيع ريادة الأعمال مثل ارتفاع حصيلة الضرائب فى الموازنة العامة للدولة بالإضافة إلى العوائد الاجتماعية مثل تقليل نسب البطالة وخفض معادلات الجريمة وتقليل نسب الهجرة. وهناك معوقات ريادة الأعمال فى الوطن العربى مثل الثقافة المجتمعية وضعف الدخل وقله مستوى المعيشة والروتين الحكومي وعدم تشجيع الدولة.

وقد كان للمجتمع المدني في العالم العربي دور في تطبيق علمي لريادة الأعمال وخصوصاً مع طلاب المدارس، وذلك من خلال مؤسسة إنجاز العرب، البداية في "إنجاز العرب" كانت قبل 10 سنوات وهي المنظمة غير الربحية الوحيدة في العالم العربي الرائدة في تمكين وتدريب الشباب في مهارات الريادة والقيادة من خلال برامج تعليمية عملية يتم تطبيقها في المدارس والجامعات بالتعاون مع متطوعي القطاع الخاص في المنطقة. استطاعت المؤسسة خلال هذه الفترة من تمكين أكثر من 1.5 مليون طالب وطالبة في العالم العربي من خلال تواجدها في 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان.

تقوم "إنجاز العرب" بإعداد شباب المنطقة للنهوض بسوية الاقتصاد العربي من خلال برامج تدريبية تحث الشباب على روح المبادرة لديهم والسعي في تحقيق طموحاتهم لإنشاء مشاريع ريادية أو للدخول في سوق العمل، وذلك من خلال شراكات إستراتيجية مع القطاع الخاص في المنطقة تم اختيار "إنجاز العرب" من قبل مجلة جلوبال ضمن قائمة أفضل 100 منظمة غير حكومية في العالم لعامين على التوالي (2012 و2013). وهي عضو في مؤسسة جونيور أتشيفمنت العالمية، المنظمة الأكبر في العالم التي تُعنى بإعداد الشباب وتأهيليهم لدخول سوق العمل وريادة المشاريع من خلال برامج تعليمية وتطبيقية متخصصة بالفكر الريادي والقيادي والإدارة المالية.

أهمية مؤسسة إنجاز في العالم العربي تكمن في نشر ثقافة ريادة الأعمال وثقافة العمل الحر وأثر ذلك في التنمية الاقتصادية، فهناك أسباب عديدة للاتجاه إلى ريادة الأعمال في العالم العربي الغموض الوظيفي وضعف الرواتب والبطالة والبطالة المقنعة وبعد مجالات الدراسة الأكاديمة عن الربط بسوق العمل وعدم تحقيق الذات للشباب من خلال الوظائف التقليدية.

في مصر تم إنشاء مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال، يهدف مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال "TIEC" إلى تعزيز الإبداع وريادة الأعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف دعم الاقتصاد الوطني، البداية كانت27 من سبتمبر 2010 . ومن أهم مهام المركز إقامة اقتصاد قائم على الإبداع وذلك عبر وضع الإستراتيجيات، تقديم التسهيلات والترويج للإبداع وريادة الأعمال وإرساء مفهوم الملكية الفكرية في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها، ويهدف المركز إلى العمل كمحفز بين الحكومة والقطاع الخاص والجامعات وإدارة المكونات المختلفة لبيئة العمل وتحديد وإدارة وتنسيق البرامج المختلفة الموجودة بالإستراتيجية بالاشتراك مع أصحاب المصالح المختلفين والتركيز في الحصول على أرباح عبر تسويق الابتكارات وتراخيص الملكية الفكرية العمل على حل المشاكل التي تواجه مصر حاليا الترويج لمصر كمنافس عالمي في الإبداع ذي القيمة المضافة.

منصة إبداع مصر نتج عن مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال في مصر إطلاق منصة إبداع مصر وهي منصة إلكترونية للابتكار في مصر، توفر مصدرًا للإلهام والتعليم والتواصل للمبتكرين ورواد الأعمال. سنأخذك في رحلة داخل محتوى تعليمي وملهم، وأدوات عملية ونماذج، وستتمتع بحرية الدخول إلى شبكات من محاور ومساحات الابتكار حول العالم، تهدف إبداع مصر إلى إسقاط الضوء على المبتكرين المصريين محليًا وعالميًا، وخلق نقاط التقاء فيما بينهم، وبناء مجتمعات تعاونية بين ممثلي بيئة الابتكار وريادة الأعمال المصرية. بالإضافة إلى ذلك تهدف المنصة إلى تعليم المبتكرين والشركات الناشئة عن التكنولوجيا وإدارة الابتكار، كانت إحدى مبادرات TIEC هي بناء منصة على الإنترنت للمبتكرين ورواد الأعمال. تم تصميم هذه المنصة لتكون محوراً لتشارك المعلومات والتواصل ونشر تقنيات الابتكار. تعمل المنصة كنقطة التقاء للمشاركين في بيئة الابتكار القومية ونقطة تواصل بين الشركات ورواد الأعمال، بينما يمكنهم التعلم عن الممارسات المتصلة بالابتكار والحصول على الدعم العملي.

وتكمن أهمية ريادة الأعمال في أنها دائما تبحث عن حلول للمشكلات المجتمعية، على سبيل المثال الزحام المروري في مصر من المشكلات الأساسية التي تؤرق المصريين أثناء الذهاب لأعمالهم أو قضاء حوائجهم. وفي محاولة لاستخدام التكنولوجيا من أجل تفادي هذا الزحام، ابتكر مهندسون مصريون تطبيقاً هاتفياً جديداً أطلقوا عليه اسم "بيقولك" لمعرفة حالة الطرق في القاهرة وباقي المحافظات المختلفة، بيقولك هو واحد من برنامجين طالبين مصريين في أعقاب اشتراكهما في معسكر رواد العمل في الجيل القادم لتكنولوجيا المعلوماتNexGen.

نماذج للريادة الأعمال


(Bey2ollak) نموذج مصري لريادة الأعمال هو من بنات أفكار خمسة من الشباب الناشئ وهم: على رافع ومحمد رافع وجمال صادق وهم من خريجي علوم الحاسب الآلي وكانوا مسئولين عن التطوير ومصطفى البلتاجي وهو خريج إدارة أعمال ويتولى أمر التسويق ويحيى إسماعيل وهو مهندس معماري وكان مسئولاً عن تصميم الحد المشترك للمستخدم.

فهو برنامج للهاتف المحمول يسمح للمستخدمين بمشاركة معلومات عن المرور في القاهرة والإسكندرية وقت حدوثها. وهو متاح للتنزيل المجاني على أنظمة البلاكبيري والأندرويد والآيفون، ويمكن الوصول للخدمة أيضاً باستخدام موقع الهاتف المحمول.

في الإمارات وضمن سياسة تشجيع ريادة الأعمال تم إنشاء "مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، وتصب أنشطتها الرئيسة في تأسيس الأعمال الجديدة، عبر توفير منصة للأفكار والدعم المادي لبث روح ريادة الأعمال لدى المواطنين، ورفع الوعي لديهم بفرص العمل، ودعم المشروعات التي يتولون إدارتها. وقد أسست المؤسسة صندوقاً لهذا الغرض برأسمال قدره 700 مليون درهم يعمل وفق مبادئ الصيرفة الإسلامية، لتقديم المال بشروط تفضيلية لرواد الأعمال الجدد ولأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة القائمة، كما تقدم مؤسسة محمد بن راشد لتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة نصائح حول أساسيات بدء المشروع، وحماية أفكارك، والتخطيط للعمل، والتمويل، والتسويق، والنواحي القانونية. يمكنك أيضاً استخدام مركز حاضنات الأعمال في المؤسسة شريطة التسجيل والإيفاء بالمعايير المطلوبة، جوائز ريادة الأعمال، بغية تقدير ومكافأة الشركات الصغيرة وتشجيع ريادة الأعمال، تعمل كل من الحكومة والقطاع الخاص على تخصيص عدد من الجوائز التي تمنح سنوياً. هذه الجوائز تشمل جائزة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب التي تكرّم أيضاً الأفراد والمؤسسات التي تدعم رواد الأعمال الإماراتيين.

وفي تونس بدأ هذا المصطلح يبدو مألوفاً، حيث اجتمع أكثر من 50 مبتكرا تونسيا، في ضاحية من ضواحي تونس العاصمة، في محاولة للخروج بطرق جديدة لمكافحة الإرهاب. في هذا الإطار، شاركت 8 فرق في فعالية "ريادة الأعمال ضد الإرهاب" Entrepreneurship against terrorism، وذلك بعد الاعتداء الإرهابي الذي حصل في يونيو/حزيران 2015 حيث هجم شخص مسلح على فندق شمال سوسة وقتل أكثر من 35 شخصاً، قامَت الفكرة على أن القيام بشيء ما بعد الهجوم الإرهابي الأخير سيدفع الناس للتفكير بحلول مبتكرة لإخراج تونس من هذه الأزمة، بحسب ليلى فرحاني، إحدى المنظمين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ "الابتكار لعبة جماعية" وفقًا لما قال نعمان لحيمر الذي أعلن عن انطلاق الفعالية وقد كان هناك العديد من المبادرات المقترَحة مثل مركز لإعادة التأهيل يُسمّى "الفرصة الثانية" Second Chance وسلسلة فيديوهات بعنوان "أخبرني عن الإسلام" Tell me about Islam لإظهار القيم الحقيقية لهذا الدين و"ثورة العقل" Mind Revolt لعبة مصمّمة لمحاكاة المجتمع التونسي وإيجاد بديلٍ للعقلية الإرهابية.
في النهاية ريادة الأعمال من أهم الحلول الاقتصادية والاجتماعية الابتكارية.. إن ريادة الأعمال خطوة البداية فيها هي الفكرة، فالأفكار الصغيرة الآن من الممكن أن تكون أعمالاً عظيمة في المستقبل، إن كنت بدأت تفكر في ريادة الأعمال فإن هدف المقال قد وصل إليك.

 

الاراء الواردة في هذه المدونة لا تعبر بالضرورة عن اراء ادارة الموقع

نقلا عن:

http://www.huffpostarabi.com/mohamed-mahmoud/-_3097_b_8849120.html

 

 

محمد محمود عبد الرحيم*

من الواضح أن هناك  حالة من الاحباط يعيشها الوطن العربي، ليس على المستوي السياسي فقط، وإنما على مستوى الحياة اليومية والاقتصادية للمواطن البسيط فى العالم العربى.

وللأسف أصبحت اقتصاديات الكثير من الدول العربية محبطة للغاية من تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلى وانحدار مؤشرات التنمية البشرية وغياب عوائد التعليم والانتاج بنسبة للفئات مجتمعية كثيرة فى معظم البلاد العربية , صحيح أن اقتصاد اليأس هو مصطلح أدبى وليس اقتصادى ولكنه يعكس بصورة كبيرة الواقع العربى  فاقتصاد اليأس بذورة الفساد وحصاده الاحباط، وليس فى الواقع الاقتصادى فقط.

بل على كافة المجالات ايضاً وصحيح أن هناك محاولات كثيرة لخلق مستقبل افضل فى الوطن العربى ولكنها محاصرة بالفساد والارهاب وعدم الاستقرار السياسى ,اقتصادياً  الوطن العربى يحتاج إلى إعادة هيكلة الكثير من القطاعات، وليس اصلاح اقتصادى فقط وفى ظل التقدم التكنولوجي والمعرفي فى العالم ظهرمفهموم الاقتصاد المعرفى فهل يستطيع العرب التحول الى الاقتصاد المعرفي فى المستقبل ؟

الواقع يقول إن هناك العديد من المؤشرات الايجابية فى العديد من الدول العربية اتخذت خطوات من اجل التحول للاقتصاد المعرفى كتونس والامارات وقطر والسعودية  ما يحتاجة العالم العربي الأن هو اراده سياسية حقيقة للتحقيق التنمية الاقتصادية فى العالم العربى حيث يقول الله تعالى )إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ( [سورة الرعد: 11] .

والتنمية الاقتصادية هى ليست مسئولية الحكومات وانما الافراد والدول شريكة فى تحمل مسئولية التنمية الاقتصادية , رأس المال البشرى اليوم للدول اصبح اهم كثيراً من رأس المال التقليدى لان كلما زادت جودة التعليم وتمت ادارة المواهب بشكل صحيح كلما كان لذلك تأثير ايجابى على المجتمع , اصحاب المواهب والمعرفة ورأس المال التقليدي هم الثروة الحقيقية للدول .

ثلاث محددات هامة للنهوض فى الوطن العربى لابد أن تكون لدى صانع القرار فى العالم العربي:

  • الاهتمام بالعلم والمعرفة والتطبيق العلمى فى كافة المجالات بوضع خطط استراتيجية.
  • الاهتمام بزرع العدل فى المجتمع ومحاربة الفساد الحقيقى والحكم الرشيد والاهتمام بالصحة .
  • الاهتمام بالشباب واعطاء فرصة للطاقات الشباب فى ادارة التحول الاقتصادي ورسم السياسيات .

فمهما كانت الجهود والانجازات دون الاخذ فى الاعتبار ما سبق لن تحدث تنمية اقتصادية حقيقة فى الوطن العربى.

فهل يمكن التحول من اقتصاد اليأس الى اقتصاد المعرفة فى الوطن العربي  يقوم الاقتصاد المعرفي إلى أربع ركائز أساسية هي:

الابتكار الذي يستند إلى البحث والتطوير من خلال نظام فعال يربط مؤسسات التعليم بالمؤسسات الصناعية بغية التطوير المستمر. المعلومات والمعرفة : ونشرها وتبادلها والتطبيق مع الاحتياجات المحلية الانسان وتنمية مهاراتة الإنتاجية وتنمية مهاراتة الشخصية : مع تطبيق ذلك ليس فى العمل والانتاج فقط، بل فى كافة اشكال الحياة ,التعليم : وهو العامل الأهم والأساسي في الإنتاجية والتنافسية الاقتصادية.

تاريخياً كان الاقتصاد منذ بداية البشرية اقتصاد بسيط يعتمد على الزراعة او اقتصاد الطبيعة اى بما يعنى تعامل الانسان مع الطبيعة التى خلقها الله لسد الاحتياجات اليومية فقط ثم التحول اقتصاد الصناعة واسباب ذلك زيادة عدد السكان واكتشاف الانسان للطبيعة وزيادة الموارد ومن ذلك ظهرت الصناعة وظهر مفهمو الاقتصاد الصناعي وخصوصاً بعد الثورة الصناعية فى اوروبا

وأخيراً  فأن مفهوم الاقتصاد المعرفى وهو نتيجة للتطور التكنولوجى والمعرفى والتطور فى العلم وهناك عدة تعريفات للاقتصاد المعرفى  ومنها اقتصاد ما بعد الصناعة والاقتصاد الرقمى وغيرها لايوجد تعريف شامل او محدد للاقتصاد المعرفى  وسيساهم العلم فى تحديد مفهموم محدد للاقتصاد المعرفى فى المستقبل ويمكن القول فى الاقتصاد المعرفى أن المعلومات هي العنصر الغالب في العملية الإنتاجية‏‏,‏ والمعلومات وتكنولوجياتها هي التي تشكل أو تحدد أساليب الإنتاج وفرص التسويق ومجالاته‏.‏

وربما يقصد بالمعلومات هنا مجرد الأفكار والبيانات‏DATA.‏ وربما تشمل البحوث العلمية والخبرات والمهارات‏, اى ان مفهوم الثروة الحقيقي فى المعرفة اصبح من يمتلك المعرفة يمتلك الثروة .

الإبتكار : تضطر البلدان العربية الى استيراد التنكولوجيا من أوروبا وأمريكا وآسيا ,فلا يمكن القول ان هناك تكنولوجيا عربية خالصة يمكن الاعتماد عليها ويعاني قطاع الابتكار من مشاكل جمة في أغلب البلدان العربية، لعل أهمها وجود فجوة كبيرة بين البحوث التي تجري في الجامعات والمراكز البحثية، وبين تطبيق هذه الابحاث في الصناعة والخدمات .

( Teoria Resheiqy Izobreatatelskikh Zadatch ) على سبيل المثال فى الابتكار تستخدم العديد من المؤسسات الدولية نظرية TRIZللابتكار والخروج بحلول غير تقلدية  وهذة النظرية عبارة عن الأحرف الأولى باللغة الروسية TRIZ ( نظرية الحل الإبتكاري للمشكلات) تميزت هذه النظرية عن غيرها بأنها تستخدم طرقاً فريدة وغير تقليدية في حل المشكلات بطرق إبداعية رائعة وتطوّر لدى الشخص الدافعية نحو التفكير بطريقة إبداعية،

ومن هذا المنطلق فقد اعتمدت هذه النظرية الكثير من كبريات الشركات العالمية في تدريب موظفيها، أمثال TOYOTA, LG, FORD SAMSUNG, NASA  والكثير من الشركات العالمية .
تتكون هذه النظرية من أربعين مبدأً – استراتيجية – تستطيع بها أن تحل معظم المشاكل التي تواجهك في الحياة وبطرق إبداعية فريدة رائعة، أوجدها لنا المخترع الروسي المهندس ” هنري ألتشلر ” الذي كان يعمل بتسجيل براءات الاختراع في الاتحاد السوفييتي عام 1946م،

وبعد أن لاحظ أن الاختراعات تقوم على مبادئ معينة قام بدراسة مليوني اختراع بمساعدة حكومته حتى اكتشف أن هذه الاختراعات تقوم على أربعين مبدأً فكوّن بها هذه النظرية.
مرت هذه النظرية بالعديد من التطويرات حتى استطاعت أن تثبت جدواها في إيجاد حلول إبداعية للمشكلات في جميع مجالات النشاط الإنساني: الصناعة والتقنية والخدمات والتسويق وإدارة الأعمال والطب والفنون والاجتماع والاقتصاد وغيرها الكثير من المجالات.

المعلومات : فالتوظيف المتزايد الإعلام والاتصال والمعلومات في مجمل الأنشطة أصبح سمة تميّز عالمنا اليوم. كما يقوم على فهم جديد أكثر عمقاً لدور المعرفة، ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع  ومن ذلك تطور الاعلام البديل ودورة فى الاقتصاد الوطنى ,على سبيل المثال فى التخطيط باستخدام البحث العلمى للدول تعتبر مؤسسة راند RAND Corporation هي أكبر مركز فكري في العالم، ومقرها الرئيس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

وتقوم مؤسسة راند، الذي اشتق اسمها من اختصار كلمتي (البحث والتطوير Research and Development)، بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، ومن ثم تحليلها وإعداد التقارير والأبحاث التي تركز على قضايا الأمن القومي الأمريكي في الداخل والخارج.

يعمل في المؤسسة ما يقارب من 1600 باحث وموظف يحمل غالبيتهم شهادات أكاديمية عالية، وميزانيتها السنوية تتراوح بين 100-150 مليون دولار أمريكي. وتعتبر راند أحد المؤسسات الفكرية المؤثرة بشكل كبير على المؤسسة الحاكمة في أمريكا، وهي تدعم توجهات التيار المتشدد في وزارة الدفاع وتتولى الوزارة دعم كثير من مشروعاتها وتمويلها، كما ترتبط بعلاقات ومشروعات بحثية مع وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

تنمية المهارات : تنمية مهارات الانسان من خلال التدريب والتعليم وخلق بيئة سياسية واجتماعية مناسبة والاهتمام بالصحة وحقوق الانسان ,والعمل على خلق مهارات وليس غسيل شهادات مقنن شبيهة للغاية بغسيل الاموال ,تنمية الانسان هى هدف التنمية الاقتصادية وفى نفس الوقت الانسان هو اداة التنمية الحقيقة .

فى التعليم: يواجه الوطن العربى تحديات كبيرة من أجل تطوير التعليم وخصوصاً فى ظل ظهور  أنواع جديدة من التعليم مثل التعليم عبر المحاكاة لو انك طيار وتدربت على نموذج للطائرة طبق الأصل فى الدراسة الجامعية كم سيوفر هذا من مجهود وتكاليف بالإضافة الى انك ستكتسب خبرة سريعة وهكذا يمكن استخدام المحاكاة حتى مع الأطفال للوصول الى المواهب عند الأطفال, والتعليم هو قاعدة البناء فى الأقتصاد المعرفى ولذلك يحتاج إلى جهود كبيرة فى العالم العربى .

الوطن العربى يحتاج الى مجهود ضخم وكبير من أجل التنمية الاقتصادية وهناك الكثير من العلامات المضيئة للتحول للاقتصاد المعرفة والتنمية الاقتصادية فالتعليم هو رأس المال الحقيقى للدول واساس اى تنمية اقتصادية ، وهى الحقيقة التي يعمل من اجلها دول العالم وحتى وان كانت كل مؤشرات الدولية والاحصائيات تؤكد ان التعليم في الوطن العربى في حالة سيئة الا ان هناك امل وجهود قد تنعكس في المستقبل على التعليم ولما لا فقد نستطيع يوميا ان نغزو الفضاء أونستحوذ على جوائز نوبل .

*باحث اقتصادي

المقال يعبر عن راي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن ادارة الموقع

نقلا عن: ساسة بوست

http://www.sasapost.com/opinion/knowledge-economy/

 

 

 

 

 

محمد محمود عبد الرحيم*

مع التقدم التكنولوجي ظهرت أنواع جديدة وغير تقليدية من الاقتصاديات قد يقوم عليها اقتصاد بلاد بأكملها مثل اقتصاد المعرفة، واقتصاد التنمية البشرية. والاقتصاد علم لم ينفصل أبدًا عن تلبية احتياجات الإنسان، والاحتياج الإنساني يبتكر حل المشكلات الإنسانية، وبمعنى أدق فالحاجة أم الاختراع necessity is the mother of invention، لا يمكن وضع تعريف محدد حول الاقتصاد الإبداعي ولكن يمكن القول أن الاقتصاد الإبداعي بالنسبة للأشخاص أو الدول يعني ببساطة مدى تحويل الهواية أو الإبداع الشخصي إلى تدفق نقدي واستخدام الحلول غير التقليدية والإبداعية في حل المشكلات الاقتصادية.

وحديثًا، ومع زيادة أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات، ومع تقدم وسائل الاتصال، بدأت تظهر الحلول الاقتصادية الإبداعية حول العالم، فمثلًا يظهر مفهوم اقتصاد الفقراء في الهند فقد قام أحد رجال الأعمال في الهند “راتان تاتا” وهو حاصل على دكتوراه فخرية من مدرسة لندن للاقتصاد، كما سمته مجلة “فوربز “ الامريكية رجل أعمال العام ٢٠٠٥ راتان تاتا من قام بثورة تغيير شاملة في تكنولوجيا صناعة السيارات على مستوى العالم، بعدما أخذ على عاتقه تصنيع سيارة زهيدة الثمن حتى تكون في متناول الجميع .

كانت الفكرة في البداية أشبه بالحلم عندما شاهد “راتان” أسرة مكونة من أربعة أفراد فوق دراجة بخارية في ليلة ممطرة، فقرر ضرورة توفير وسيلة أكثر راحة للتنقل يمكن للأسر والعمال والمزارعين تحمل تكاليفها، وبالفعل تم تصنيع سيارة تاتا نانو (أرخص سيارة في العالم)! نعم أرخص سيارة في العالم، ليس هذا فقط بل إن الهند أيضًا قدمت للعالم في إطار ما يمكن أن نسميه اقتصاد الأشد فقرًا.

فقد نفذت مشروعًا بتوفير جهاز كمبيوتر محمول مطوّر، بسعر (35 دولارًا)، يعتبر الجهاز أرخص كمبيوتر محمول في العالم، ويعمل بتقنية اللمس، وتعتبر الهند أول بلد في العالم تحاول أن تبتكر صناعة متطورة بتكاليف أقل لرفع مستوى الناس الأقل دخلًا، وتجربة بنك الفقراء (جرامين) في بنجلاديش هو فكرة اقتصادية بديعة غيرت من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بنجلاديش التي انخفضت فيها نسبة الفقر انخفاضا كبيرًا، وأصبح البنك نموذجًا في محاربة الفقر في الاقتصاديات العالمية، حيث يتعامل بقروض صغيرة جدًا تقضي على التعثر وتصنع حياة للفقراء وخصوصًا في القرى الصغيرة والمناطق الأقل تنمية، كما يعطي البنك الأولوية للنساء في الريف اللاتي يشكلن ٩٦٪ من مقترضي البنك، ويعمل على تحسين أوضاعهن، والغريب أن البنك يحقق أرباحًا.

والمقصود هنا خلق أفكار اقتصادية جديدة لجعل الفقراء في المجتمع قوة منتجة وليس عبئًا على الاقتصاد الوطني، وتبني مشروعات قومية في هذا الصدد، وهناك دول كثيرة في العالم قامت على اقتصاديات غير تقلدية كالصين؛ فقد كانت البداية بصناعات متناهية الصغر وصناعات صغيرة ثم عملت بخطط مدروسة، وصولًا إلى الصناعات الحربية والسيارات والطائرات.

وهناك دول اقتصادها يقوم على السياحة أو الخدمات أو أي اقتصاد غير تقليدي. وربما ظهور دول كبنما وقناتها المائية، حيث أدت هذه القناة دورًا كبيرًا في اقتصادها، كل ذلك أدى لظهور اقتصاد جديد ومهن حرة جديدة حول العالم، حتى من خلال الإعلام الاجتماعي الذي ساهم في التسويق المباشر والوصول السريع لأكبر قدر ممكن من العملاء في مختلف الدول.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ظهرت اقتصاديات جديدة من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي كتنظيم المؤتمرات، والتصوير للهواة والمحترفين، وكتابة المقالات والكتب، وتحميل الكتب، وتنظيم الموارد البشرية من خلال تسويق السير الذاتية والبحث عن العمل، والتواصل مع المعجبين والعملاء بالنسبة لمسوق للمنتج، سواء أكان سلعة أم خدمة. ويندرج في هذا مجالات الملكية الفكرية، وحقوق النشر، والنماذج، والعلامات التجارية، والتصاميم، وبراءات الاختراع، والأعمال الفنية، والموسيقى، وبرامج الحاسوب، والتصوير الضوئي، والأفلام، والفيديو، والألعاب، والعمارة، والبحوث، والتطوير، وتصميم الملابس والمنتجات.

وهناك على سبيل المثال في الهند صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات التي غزت بها العالم وأصبحت أحد أهم مصادر الدخل القومي. وفي أمريكا الجنوبية صناعة الرياضة؛ كتنظيم الأحداث الرياضية، واحتراف اللاعبين في الدول الأوروبية، وعودة الأموال على الأندية المحلية وبالتالي ضخ عملة صعبة في السوق المحلية، ودفع الضرائب والرسوم للدولة، وهذا يساهم في انتعاش اقتصاد هذه البلاد إذا أحسنت هذه الدول إدارة هذه الموارد.

وفي تركيا مثلًا حيث صناعة القمامة وإعادة تدويرها بصناعات مفيدة. وهناك العديد من الأمثلة حول العالم، وفي السويد شركة IKEA الشركة التي يوجد لديها ٢٠٠٠ موزع في ٦٧ دولة و١٣٦ فرعًا في ٢٨ دولة بدأت برغبة جامحة من قبل بائع كبريت اسمه إنغفار كامبراد حوّل حلمه إلى واقع من خلال التحول إلى صاحب أكبر شركة أثاث عالمية، وعندما تزور متجر الشركة في أي فرع حول العالم تجد نفسك وكأنك في السويد البلد الأم للشركة، حاولت الشركة توفير كل سبل الراحة للعميل من خلال طريقة عرض المنتجات أو حتى فتح مطعم خاص في المتجر، ومن خلال المطعم يتم تسويق أنواع الطعام السويدي فهو ليس متجرًا وليست مجرد شركة إنما هي خير سفير للاقتصاد السويدي ونموذج للإبداع الاقتصادي في الشركات في العالم.

وليس المقصود هنا بالإبداع هو أفكار أو مستوى جودة منتجات الشركة، إنما الإبداع في التسويق وطريقة العرض ورسالة ورؤية الشركة، فالاقتصاد الإبداعي اليوم قطاع رئيسي ومهيمن في مجال المهن والأعمال والتجارة والاقتصاد، وصار المقياس الأساسي للتقدم الاقتصادي، وهو اقتصاد يتطور مع تطور التقنية وبخاصة في مجالات الاتصالات والمعلوماتية.

وبالارتقاء الإنساني وتطور حاجاته، فالإنسان يتطلع بعد تلبية احتياجاته المادية إلى الاحتياجات الروحية والفكرية، وهذه المنتجات بدورها تطور وتعظم الموارد المادية الملموسة والاحتياجات المادية أيضًا كالعمارة واللباس والطعام، ويمكن ببساطة ملاحظة الإبداع والخيال في تطوير وتعظيم هذه المرافق والاحتياجات. وكأن الأمم تتقدم وتزيد مواردها بما تملك من جمال وخيال هذه الأفكار كنموذج للاقتصاد الإبداعي، ويمكن أن تكون نقطة تحول للعديد من الشباب في تكوين صناعة إبداعية لو سهلت عملية الترحيب بالأفكار، أو على الأقل تسجيلها وحمايتها رقميًّا بدلا من المراجعة المملة.

وقد تناول تقرير الاقتصاد الإبداعي للأمم المتحدة للعام ٢٠١٣، الذي نتج عن تعاون مشترك ما بين منظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبدعم من مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون. يعرض التقرير النتائج المتعلقة ببلدان معينة، وذلك بهدف أن تكون أداة ملهمة للآخرين لإيجاد سبلهم المميزة للتنمية المحلية. فهو يراجع أكثر من ٨٠ برنامجًا ثقافيًا وتنمويًا في العالم من «صندوق الإنجازات للأهداف الإنمائية للألفية المقبلة»  الممول من حكومة إسبانيا إلى الصندوق العالمي للتنوع الثقافي التابع لليونيسكو، ففي البيرو أدّي برنامج تنموي مشترك مع «صندوق الإنجازات للأهداف الإنمائية للألفية المقبلة» إلى تدريب الحرفيين المحليين على إنتاج مشروب محلي بطريقة أكثر فاعلية، ولم تؤدّ المبادرة إلى زيادة الأرباح فقط، ولكنّها ساعدت أيضًا على تشغيل النساء اللواتي عادة ما يكنّ مهمشات في المجتمعات المحلية.

كما طوّرت التنمية البيئية من خلال إدخال الأفران الّتي تعمل على الغاز. حتى أنّه كان لهذه المبادرة تأثير على السياسات العامة من أجل احتضان الصناعات الإبداعية على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلّية.

وفي السنغال، قامت إحدى الأكاديميات الموسيقية بتدريب الشباب المحلي على التصميم والرسم الرقمي والإنتاج الموسيقي والتسويق والإعلانات. فساعد هذا البرنامج المبتكر على تمكين الشباب من الاستثمار في قدراتهم محلّيًا والوصول إلى الأسواق العالمية. كما أنّه ساهم في المحافظة على الثقافة الفنية في الوقت الّذي ساعد على استثمار التطوّر التكنولوجي من أجل النمو.

في الوطن العربي وفي مصر هناك مشروع «نقادة» لصناعة المنتجات المعاصرة باستخدام أساليب بدائية كانت معتمدة في الريف المصري. يعمد هذا المشروع إلى إعادة فن الحياكة في مصر حيث اندثرت هذه الحرفة بعدما واجهت كثيرًا من الصعاب. وبعدما كان مشروع «نقادة» مبادرة صغيرة على نطاق ضيق، تحوّل إلى مشروع ناجح استطاع أن يضمن وجودًا محليًا قويًا في الوقت الذي حقق فيه انفتاحًا عالميًا، وأصبح يسوّق منتجاته ذات الجودة العالية في بلدان مثل إيطاليا واليابان ولبنان.

وقد ذكر التقرير أن التجارة العالمية للسلع والخدمات الإبداعية شملت رقمًا قياسيًّا بلغ ٦٢٤ مليار دولار أميركي في عام ٢٠١١، وازدادت أكثر من الضعف بين عام ٢٠٠٢ وعام ٢٠١١. وفي الوقت عينه، يتمتع الإبداع والثقافة أيضا بقيمة كبرى غير نقدية تُسهم في التنمية الاجتماعية الشاملة والحوار والتفاهم بين الشعوب،

وفي مصر كنموذج من العالم العربي، يوجد العديد من الأفكار لتنمية وإنعاش الاقتصاد الوطني؛ كالاستفادة من أموال الوقف، وإعادة تدوير المخلفات، وتحلية المياه لزراعة الصحراء، والسياحة العلاجية، وخدمات قناة السويس.

الخلاصة أن الاقتصاد الوطني يحتاج إلى حلول إبداعية وجذرية للخروج من الأزمة الحالية، ويجب الاستفادة من الاقتصاد الإبداعي والخروج بأفكار غير تقليدية للخروج من أزمة الاقتصاد المصري من أجل مستقبل أفضل. وفي النهاية لابد أن ينعكس النجاح الاقتصادي على الحياة الاجتماعية بل وعلى الحياة السياسية للدول. وكما شاهدنا، فإن المشاكل الاقتصادية وقلة الموارد تكون دافعًا هاما للخروج بحلول اقتصادية إبداعية، ويمكن الاستفادة من نماذجها العالمية للتطبيق في الدول الأقل نموًا وفي عالمنا العربي، وخاصة فلسطين المحتلة.

*باحث اقتصادى

المقال يعبر عن راي كاتبة ولا يعبر بالضرورة عن راي ادارة الموقع

المقال نقلا عن ساسة بوست:

http://www.sasapost.com/opinion/innovative-economics-and-developing-solutions/

 

سامي بن منصور

 

في الشرق الأوسط المضطرب تجد بلدا استطاع تدعيم التنمية الاقتصادية بعيدا عن الفوضى الجيوسياسية المحيطة به، هذا البلد هو الإمارات العربية المتحدة.

اغلب بلدان الشرق الأوسط اكتوت بلعنة النفط الذي أدى الى التبعية الاقتصادية وخطر الصراع العسكري. وفي هذا السياق المليء بالتحديات التي تشهدها المنطقة العربية تبرز الإمارات العربية المتحدة كنموذج حيث استطاعت أخذ المنعطف الاقتصادي بحكمة بتوخيها رؤية استراتيجية بدأ بنائها في الثمانينات. و كان ذلك بالعمل على تنويع اقتصادها باعتمادها أساسا على الخدمات (أنشطة التجارة الدولية والموانئ والمطارات والسياحة والأنشطة المالية) التي تمثل الآن أكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي. و قد تم تقليص نسبة قطاع النفط اليوم الى 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات.

و يرتكز النمو الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة على إمارتين قويتين وهما دبي وأبو ظبي.

تستحوذ إمارة أبوظبي على الجزء الأكبر من إنتاج النفط في الإمارات (92٪) أو 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي. و تتصرف الإمارة في مئات المليارات من الدولارات من المدخرات المالية للامارات من خلال صناديق الثروة السيادية والمؤسسات العامة. و بذلك تعتزم الإمارة التحضير لمرحلة ما بعد النفط بالتركيز على الصناعات الثقيلة (الصلب والألومنيوم)، ولكن أيضا التعليم (جامعة السوربون)، والتكنولوجيا الفائقة والسياحة الثقافية (مدينة مصدر، متحف اللوفر، متحف جوجنهايم ...).

 

و تساهم إمارة دبي في الوقت نفسه بنسبة 30٪ في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات من خلال موقعها المتميز كمنصة تجارية استراتيجية باستغلالها لميناء (ثالث أكبر مشغل للموانئ في العالم) ومطار (المطار الثالث عشر في العالم لمجموع الركاب و الرابع لمجموع الركاب الدوليين) يعدان من بين الأكبر في العالم.

 

وقد سمحت هذه المواقع الاستراتيجية المختلفة لدولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق انتعاشة اقتصادية ملحوظة بعد الركود (نمو -2،5٪) بسبب الأزمة المالية في عام 2008 لكي تحقق مستويات مذهلة من النمو (4.4٪ في عام 2014).

 

و يمثل قطاع الصناعات الثقيلة مصدرا جديدا للنمو في دولة الإمارات مما يساعد على تقليل اعتمادها على النفط. ففي دبي أصبح قطاع الألومنيوم يمثل النشاط الصناعي الثالث بعد النفط والغاز. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الإمارة موطنا لواحد من أكبر مصاهر الألمنيوم في العالم. والدافع وراء هذا الاختيار هي تكلفة الكهرباء المنخفضة وهذه الطاقة لا غنى عنها لإنتاج الألمنيوم بالتحليل الكهربائي. و تطمح الإمارات بفضل هذا التطور إلى أن تكون من بين اكبر منتجي الألمنيوم في العالم.

 

ولكن الخدمات والصناعة ليست هي المجالات الوحيدة التي تعتمد عليها الإمارات لكي تصبح من بين "بلدان ما بعد النفط". ففي هذا البلد الذي تغمره باستمرار اشعة الشمس الحارقة يبدو من المنطقي استغلال الطاقات المتجددة بصفة كثيفة. دولة الإمارات العربية المتحدة ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بإيوائها مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. و تثبيت هذا المقر في مدينة مصدر المستدامة هو رمز قوي لالتزام الامارات بدعم الطاقات المتجددة يقصد منه أن يكون هذا البلد نموذجا لاستخدام الطاقة الخضراء.

 

الاراء الواردة في هذه المدونة لا تعبر بالضرورة عن اراء ادارة الموقع

 

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.