fbpx
الصحة والحياة

الصحة والحياة (1)

(English)

كما في أسطورة الخيميائيين الذين يحاولون البحث عن الصيغة الضرورية لتحويل النحاس إلى ذهب، تدور المرويات الحلبية عن صابون يصنع من زيت الغار وجد قبل آلاف السنين، فيه من الخواص ما ينظف الجسد ويعقمه وينعم البشرة، وهو صابون ملكي، فزنوبيا ملكة تدمر لم تكن تستحم إلا بصابون الغار، ومن قبلها الملكة كليوبترا التي استخدمت صابون الغار للحفاظ على شباب بشرتها.

في الواقع لا تقل الحقائق التاريخية عن صابون الغار عن الأساطير والحكايات المروية عنه، فصابون الغار الحلبي يؤرخ لوجوده قبل أكثر من 1200 عام حيث أسست أول مصبنة في مدينة حلب في منطقة قنسرين. كما يعتقد بعض المؤرخين أن عمر صابون الغار الحلبي يعود إلى 2000 سنة قبل الميلاد حينما كان يصنع في المنازل وليس لأغراض تجارية، ويذهب آخرون للقول بأن أول صابونة في التاريخ البشري كانت صابونة الغار الحلبية ويأتي هذا الاعتقاد بسبب انتشار أشجار الغار وهي مكون أساسي في صناعة الصابون. كما أن وصف صابون الغار بالملكي لم يأتي من فراغ، فاستخدامه كان محصوراً حتى وقت طويل من القرن العشرين بالأثرياء من أهالي المدينة والوافدين إليها من التجار والسياح الأجانب وذلك بسبب ارتفاع سعره، فكان وما يزال يقدم كهدية فاخرة. أما عن فوائده فهي أكثر من أن تحصى وجميعها مرتبطة بمادتي زيت الغار وزيت الزيتون.

وللحديث أكثر عن مميزات صابون الغار، كان لنا هذا اللقاء مع متجر "دقة قديمة"، الذي يقع في الوسط التجاري لمدينة حلب، و"دقة قديمة" من العلامات التجارية المميزة في صناعة صابون الغار، حيث اجاب خبير التجميل والمختص في صابون الغار السيد أحمد حمرة على استفساراتنا:

رواد الأعمال العرب- السويسريين: بالرغم من انتشار الصوابين ومواد التجميل ذات الماركات العالمية في المدينة إلا أن استخدام صابون الغار في المدينة مازال الأكثر شيوعاً، فما هو السر الذي يميز صابون الغار عن باقي أنواع الصابون؟

أحمد حمرة: الذي يميز صابون الغار عن باقي أنواع الصابون أنه طبيعي ومصنع من زيت الزيتون وزيت الغار الطبيعي وماءات الصوديوم.. خالي تماماً من أي شحوم أو دهون حيوانية وخالي من زيت النخيل ولا يحتوي على أي مواد حافظة أو أي مواد معدلة وراثياً، لذلك حافظ صابون الغار على مكانته في المدينة التي اعتاد أهلها على استخدامه منذ أمد طويل.

رواد الأعمال العرب- السويسريين: انتشرت صناعة صابون الغار الحلبي خارج المدينة لتمتد إلى محافظات أُخرى بل حتى أن بعض المصابن قد أُفتتحت في أوروبا وأميركا الشمالية، لكن مازال الصابون الحلبي مطلوباً على المستوى العالمي، فما هو السر الذي مكن صناعة صابون الغار من الاستمرار في المدينة رغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها خلال السنوات الماضية؟

أحمد حمرة: صناعة صابون الغار الحلبي تتجاوز الثلاثة آلاف عام والذي يميز صناعة الصابون بحلب هو توفر المادة الأولية وهي زيت الزيتون الطبيعي وزيت الغار المشهود له بجودته عالمياً إضافةً إلى طبيعة المناخ في مدينة حلب الذي له دور كبير في هذه الصناعة التراثية والتاريخية، فصناعة الصابون بحلب حصراً، يكون بدخول فصل الشتاء ويستمر تصنيعه حتى نهاية الفصل ويجفف لأواخر فصل الصيف وبعدها يعرض للبيع، فالمناخ في مدينة حلب له دور كبير باستمرارية صناعة الصابون، يجب أن يكون فصل الشتاء بارداً، وفصل الصيف حاراً وذات هواء جاف، حتى يساعد على الجفاف بشكل طبيعي، حيث تمت الكثير من المحاولات لصناعة الصابون الحلبي خارج حلب لكنها لم تنجح بشكل كامل بسبب تغير المناخ وعدم توفر المواد الأولية ذات الجودة العالية.


رواد الأعمال العرب- السويسريين:
ماهي الفوائد التجميلية والصحية لصابونة الغار؟

أحمد حمرة: تأتي فوائد صابون الغار من أنه مصنع من زيت الزيتون الطبيعي وزيت الغار..

زيت الزيتون مقوي لفروة الرأس ويمنع تساقط الشعر وظهور القشرة كما أنه يمنح البشرة ملمساً ناعماً فهو يرطب البشرة بشكل عميق ويمنحها الفيتامينات اللازمة لتجديد الخلايا ومنحها مظهراً مشرقاً وحيوياً.

أما زيت الغار فهو مادة معقمه ومطهرة لكافة أنحاء الجسم ويساعد على تخفيف الأكزيما والصدفية. كما يساعد على تجديد خلايا البشرة بسبب قضائه على الفطريات والبكتيريا التي تسبب البقع الداكنة وبذلك يساعد صابون الغار على تصحيح وتوحيد لون البشرة.

كما يتميز صابون الغار برائحته الزكية والتي تعلق بالجسد والشعر وتمنحه رائحة عطريةً طبيعيةً لوقت طويل.

 

صناعة صابون الغار

بالرغم من المكونات القليلة والطبيعية الداخلة في صناعة الصابون إلا أن هذه الصنعة ظلت ملتصقة بمدينة حلب حتى أصبح اسم المدينة علامة تجارية لمنتجات صابون الغار فكيف يصنع صابون الغار؟ وماهي المكونات الداخلة فيه؟ نقلنا هذه الأسئلة إلى السيد علاء الدين حمامي وهو أحد شيوخ الكار في صناعة الصابون في مدينة حلب وقام بدوره بإطلاعنا على مراحل صناعة صابون الغار.

مرحلة الطبخ

تبدأ أولى مراحل تصنيع الصابون بمرحلة نسميها مرحلة الطبخ حيث يتم مزج المياه ومادة "القطرون" (وهي مادة طبيعية تستخرج من الملح) ويتم تسخينهما بقدر كبير بعد ذلك تتم إضافة زيت الغار وزيت الزيتون ومادة "الكوستيك" وهي مادة تستخدم "لتصبين" أي لجعل المزيج متماسكاً يتم مزج هذه المكونات وتحريكها. وتعتبر مادة زيت الغاز أكثر المكونات تكلفةً لذلك كل ما ارتفعت نسبة زيت الغار في الطبخة ارتفع سعر الصابون، والنسبة المرتفعة من زيت الغار في الصابونة مرغوبة جداً. فهي المكون الرئيسي في الصابونة، وانخفاض نسبتها يفقد الصابون الكثير من قيمته.

وكما في طهو الطعام فالقليل من الملح الزائد يجعل من مذاق الطعام لا يطاق، بهذا المستوى من الدقة يجب أن تتم عملية الطبخ فهي أهم مرحلة في صناعة الصابون وأكثرها دقه فالوقوع في خطأ بأحد المكونات قد يكلف ذلك كثيراً وإصلاح هذا الخطأ يعني أن جودة المنتج النهائي سوف تكون منخفضة وبالتالي سوف ينخفض السعر.

 

البسط

البسط وهي المرحلة التي يتم فيها تجفيف المزيج وذلك عبر نقله من القدر إلى "المبسط" وهو أرضية نظيفة وممدودة بالورق الأبيض ليبقي الصابون نظيفاً وتحميه من الشوائب كما أن السقف يجب أن لا يكون مصنع من الاسمنت المسلح بل يجب أن يكون سقف "توتياء" وكذلك الجدران يجب أن تحوي على فتحات تهوية وذلك لتساعد على تجفيف المزيج.

بعد الانتهاء من عملية البسط يترك المزيج لمدة تتراوح ما بين ال 4 ساعات و12 ساعة وهي المدة اللازمة حتى يجف المزيج وقد تزيد المدة التي يحتاجه المزيج للجفاف تبعاً لحالة الطقس، لذلك صناعة الصابون تتم في فصل الشتاء غالباً، فلو تمت في فصل الصيف فإن عملية الجفاف قد تستغرق ما بين اليوم والثلاثة أيام.

التقطيع والتختيم و"البيبرة"

بعد أن يجف المزيج تأتي عملية تقطيع المزيج الجاف على شكل مربعات صغيرة لكي يأخذ المزيج المجفف شكل لوح الصابون، وتتم هذه العملية باستخدام أداة خشبية ذات حواف معدنية حادة بعد أن يتم ذلك تأتي عملية "التختيم" حيث يتم "طرق" الصابون بأداة خشبية محفوراً عليها اسم العلامة التجارية للمصبنة، ثم تأتي مرحلة رصف الصابون وهي تتم بشكل خاص يسمى "البيبرة" حيث يتم رصف ألواح الصابون فوقها بعضها البعض بطريقة هرمية وبترك مساحات فارغة بحدود 1 سنتيم بين كل لوح صابون، وذلك حتى يدخل الهواء إلى كافة جوانب الصابون.

بعد الانتهاء من هذه المرحلة يترك الصابون لمدة تتراوح بين الستة أشهر والسنة مخزناً وهذه مسألة ضرورية فلا يمكن بيع الصابون قبل أن يترك لينشف لمدة لا تقل عن ستة أشهر، فإذا تم استخدام الصابون قبل ذلك فإنه سوف يذوب سريعاً في اليد وبالتالي لن يدوم طويلاً.

رواد الأعمال العرب- السويسريين: حسناً سيد مصطفى بعد أن أطلعتنا مشكوراً على مراحل تصنيع صابون الغار هل يمكن أن تخبرنا كيف يمكن تمييز صابون الغار الجيد من الرديء؟

يوجد ثلاثة علامات مميزة لجودة الصابون أولها لونه فصابون الغار الجيد يجب أن يكون لونه مائلاً للأصفر وثانياً يجب أن يكون متيناً فعند الضغط بالأصبع على الصابون يجب أن لا يتقشر بل أن يكون ملمسه قاسياً كالحجر، هاتان العلامتان تدلان على أن الصابون قد ظل مخزناً لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أما إذا كان طرياً ولونه مائلاً للأخضر فمعنى ذلك أنه لم يخزن مدة كافية.

أما العلامة الثالثة فهي الرائحة ف لصابون الغار رائحة عطرية قوية جداً وقوة الرائحة تدل على أن نسبة زيت الغار الداخلة في صناعة الصابون مرتفعة، أما إذا كانت الرائحة خفيفة فيعني ذلك أن نسبة زيت الغار منخفضة وربما لا يحتوي على زيت الغار نهائياً بل مضافاً له معطرات اصطناعية.

والرائحة أهم ما يميز صابون الغار فالصوابين الاصطناعية التي تصنع من عظام الحيوانات وتمزج بالملونات والعطور الاصطناعية رائحتها تكون خفيفة ولا تدوم طويلاً بعد الغسل بل قد تتحول إلى رائحة زنخة في بعض أنواع الصابون الاصطناعي الرديء.

صابون الغار من حلب إلى العالم

بالرغم من أن شهرة الصابون الحلبي جاءت في العقود القليلة الماضية إلا أن تصديره بدء قبل حوالي ال800 سنة وهي فترة ازدهار مدينة حلب التي كانت تقع على خط طريق الحرير فكانت مقصداً للتجار الأوروبيين و بمثابة ميناء جاف ضخم يربط بين آسيا وأوروبا فوفرت مكاناً مستقراً و آمناً لإقامة الجاليات الأجنبية العاملة في التجارة، ومكنتهم من شراء كافة المنتجات الآسيوية من حرير وتوابل وحلي دون تكبد مشقة السفر إلى آسيا..كما لعب تجارها دور الوسيط التجاري فكانت تتم عن طريقهم الصفقات التجارية. وأقام التجار الأوروبيين داخل المدينة في أماكن تدعى الخانات (التي تعني مكان استقرار المسافر) ومن هناك تعرف الأوربيون على صناعة الصابون من المواد طبيعية إلا أن الوقت لم يكن قد حان لانتشار صابون الغار وشيوعه في أوروبا.

بسبب ظروف الحرب التي دارت رحاها في حلب وأثرت بشكل مباشر على صناعة الصابون في المدينة نقل العديد من مصنعي الصابون صناعتهم إلى بلدان أخرى لعل أهمها تركيا ومصر وفرنسا وكندا فمن هناك أسست المصابن ودارت عجلة إنتاج الصابون لتلبية الطلب المتزايد على هذا المنتج.

في العقود الثلاث الأخيرة تحول صابون الغار من صناعة محلية في مدينة حلب تصدر بشكل رئيسي لدول الجوار لاسيما العراق إلى منتج يصدر إلى كافة أنحاء العالم.

لم يكتسب صابون الغار شهرته العالمية من تحسينات أجراها مصنعوه فصناعة صابون الغار لم تتغير منذ أكثر من 1200 عام وظلت تحافظ على طريقتها التقليدية ومكوناتها الطبيعية بل ما تغير هو نظرة العالم إلى صابون الغار ولقد كان الدافع الرئيسي إلى ذلك هو "موجة العودة إلى الطبيعة" ففي الربع الأخير من القرن الماضي نشطت جمعيات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وأحزاب الخضر باتجاه التوعية بمخاطر المنتجات غير الطبيعية وإعادة اكتشاف الفوائد الجمة التي تأتي من استخدام المنتجات المستخلصة من المواد الطبيعية ومن هنا جاء الارتفاع الهائل في حجم الطلب على صابون الغار ليس في الغرب فحسب بل حتى في المنطقة العربية نفسها فصابون الغار أصبح من المنتجات الرئيسية للعناية بالبشرة والشعر في دول الخليج العربي.

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.