fbpx

AA Banner Right Join SAE Network 450

بين التيسير والتشديد الكمي إلى أين تتجه رؤوس الأموال 2؟ Featured

كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة عن سياسة التيسير الكمي التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي تم استخدامها أيضاً من قبل البنوك المركزية الكبرى (الأوروبي، الياباني، البريطاني) في محاولة للتخفيف من حدة آثار أزمة الرهن العقاري في عام 2008، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وكيف أدت هذه السياسات إلى التضخم في المعروض النقدي لتلك الدول (خاصةً في الولايات المتحدة حيث تضخمت القاعدة النقدية مرتين على الأقل) ولقد كشفت العديد من الأبحاث عن وجود علاقة طردية ما بين سياسة التيسير الكمي، وعلى وجه الخصوص التخفيض غير المسبوق لسعر الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والتي وصلت إلى الصفر، وما بين خروج رؤوس الأموال من الولايات المتحدة بشكل رئيسي إلى الأسواق الناشئة. أما عن القنوات التي انتقلت بها رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة وكيف أثرت بها، فهذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني من هذه السلسلة، ولكن وقبل الخوض في الإجابة عن تلك التساؤلات لابد من التعريج أولاً على مفهوم الاقتصاديات الناشئة ليتكون لدينا فهم أفضل عن هذا المفهوم والمعايير التي تضع الدول في خانة الدول الناشئة.

 

أسواق ناشئة

بدء مصطلح الأسواق الناشئة بالتداول في الأوساط الأكاديمية منذ العام 1981 للإشارة إلى تلك الاقتصاديات التي بدأت بالظهور "النشوء" على الساحة الاقتصادية العالمية، أي تلك الدول التي أصبحت أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي، وخرجت من هامشه لتكتسب وزناً على الساحة الاقتصادية الدولية. و يرتبط ظهور مفهوم الاقتصاديات الناشئة بالثورة التقنية وانتقال الإنتاج الاقتصادي في الدول المتقدمة من الاقتصاد الحقيقي إلى الاقتصاد الخدمي وضيق الفرص الاستثمارية وانخفاض هامش الربح في الدول المتقدمة الأمر الذي حفز على انتقال رؤوس الأموال إلى الدول الناشئة (انتقال موجة التصنيع) ويتم تصنيف الدول الناشئة وفق مجموعة من المعايير التي تضعها مؤسسات مختصة كمورغان ستانلي و ستاندارد أند بورز وهي تعتمد بتصنيفها بشكل أساسي على درجة تطور أسواق الأسهم والرسملة السوقية للشركات المدرجة فيها، والحصص المسموحة للمستثمرين الأجانب بتملك هذه الأسهم، أي التصنيف يُحدد لغايات استثمارية بحتة خاصة بالمؤسسات الاستثمارية الدولية، وتعد كل من قطر والإمارات ومصر وتركيا وجنوب افريقيا من الدول الناشئة في منطقة الشرق الأوسط و افريقيا، و في أمريكا اللاتينية تعد البرازيل والمكسيك وتشيلي من أبرز الدول الناشئة في حين تعتبر كل من الصين والهند وماليزيا واندونيسيا من أهم الدول الناشئة في جنوب وشرق آسيا.

 

الربح والمخاطرة

من المعروف أن الشركات الاستثمارية تضع الفرضية التقليدية القائلة بأنك إذا أردت أن تحقق المزيد من الأرباح فعليك الاستثمار في الدول الناشئة لكن عليك أن تتحمل المخاطر التي ترافق تلك الارباح، أما إذا رضيت بالقليل من الربح لكن مع توفر هامش أمان أكبر مما هو متوفر في الأسواق الناشئة فعليك الاستثمار في الاقتصاديات المتقدمة. لكن الأمور لا تسير على هذا النحو دائماً، فبخلاف هذه العلاقة الجدلية التقليدية ما بين المخاطرة والربح وما بين الاستثمار في الاقتصاديات المتقدمة أم الناشئة، فإن أزمة العام 2008 حملت تغيرات معها، إذ أصبحت المخاطرة تشكل جزءاً أكبر من حسابات المستثمر في الدول المتقدمة! في حين بدت أسواق الاقتصاديات الناشئة أكثر استقراراً ونمواً، ومع توفر عامل السيولة مدفوعة بسياسة التيسير الكمي ازدادت عملية انتقال رؤوس الأموال طوال فترة تطبيق تلك السياسة، أي يمكن لنا القول ان اقتران عامل السيولة (او ما بات يعرف بالأموال الرخيصة) وعامل ارتفاع المخاطرة كان كفيلا بازدياد تدفقات رؤوس الأموال من الدول المتقدمة إلى الدول الناشئة.

 

بلغة الأرقام

تشير الإحصائيات إلى تضاعف تدفقات رؤوس الأموال من السوق الأمريكية إلى الأسواق الناشئة خلال فترة التيسير الكمي (انظر إلى الرسم البياني) ولقد شكلت المحافظ الاستثمارية القناة الأوسع لانتقال رؤوس الأموال باتجاه الأسواق الناشئة، وهو ما يعيدنا إلى مفهوم الأسواق الناشئة، أي ارتباط هذا المفهوم بمدى توفر أسواق مالية تسمح بانتقال سلس للاستثمارات عبر المحافظ الاستثمارية من خلالها، وبالتالي فإن الأسواق الناشئة هي الأكثر تأثراً بالتغيرات في السياسات النقدية الحاصلة في البنوك المركزية الكبرى، والتي يأتي في مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولم يقتصر انتقال رؤوس الأموال من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة بشكل مباشر، بل ان مليارات أخرى انتقلت عبر أسواق مالية عالمية كسوق هونغ كونغ وسوق لندن، ففي دراسة نشرت عام 2015 تحت عنوان "تدفقات رؤوس الأموال خلال فترة التيسير الكمي" أشارت إلى أنه من أصل 800 مليون دولار انتقلت إلى الأسواق الناشئة خلال برنامج التيسير الكمي الأول هنالك فقط 40 مليون دولار انتقلت بشكل مباشر، أي بدون تلك الأسواق المالية المتطورة كان من غير المتوقع أن تصل التدفقات النقدية إلى مثل تلك المستويات غير المسبوقة، ولقد ساهمت تلك التدفقات وكما توضح الأرقام بارتفاع معدلات النمو إذ وصلت في الأسواق الآسيوية الناشئة بالمتوسط إلى 7.1 بالمائة وفي أسواق أمريكا اللاتينية إلى حوالي 5.8 بالمائة في عام 2010 وهي أعلى من المعدلات التي كانت عليه قبل أزمة 2008 ! (وهو ما يعكس الاستجابة السريعة لتلك الأسواق مع سياسة التيسير الكمي).

إذن يمكن القول إن آثار سياسات التيسير الكمي كانت بشكل عام إيجابية على المدى القصير والمتوسط من حيث أنها زادت الإنتاجية في الأسواق الناشئة عبر تخفيض تكلفة الإنتاج (الإقراض أصبح أقل تكلفة) ومن ناحية أخرى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة مما ساهم بتحقق معدلات نمو وتشغيل مرتفعة أنعشت الأسواق بعد فترة الركود التي مرت بها في سنتين 2008 و2009.

 

تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصاديات الناشئة

(اميركا اللاتينية)

          تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصاديات الناشئة

(آسيا بدون صين)

     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آثار جانبية

بالرغم من إيجابيات سياسة التيسير الكمي على كل من الدول المتقدمة والناشئة إلى أن تلك السياسة لم تخلو من أثار سلبية بسبب تعقيدات الأزمة المالية...فبالنسبة للدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية كان لهروب رؤوس الأموال من أسواقها إلى أسواق الدول الناشئة آثار سلبية، فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لم يضخ تلك السيولة لتذهب لخارج الولايات المتحدة بل كان الهدف منها انعاش الاقتصاد الأمريكي، ولقد عبر رئيس الاحتياطي الفيدرالي في حينها بن برنانكي عن ذلك بوضوح خلال اجتماع البنك المركزي الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 عندما انتقد السياسات النقدية غير المنتظمة للدول الناشئة، والتي تسببت بتدفقات رأسمالية كبيرة إليها. أما بالنسبة للدول الناشئة فالمخاوف تكمن في ارتفاع حجم المديونية، فالسيولة العالية التي تدفقت إلى هذه الأسواق جعلت الحكومات والشركات ((مدمنة على الأموال الرخيصة)) إن ارتفاع حجم المديونية سواء للشركات الخاصة أو الحكومات ومع وضع نوعية التدفقات الرأسمالية التي أخذت شكل أسهم وسندات أكثر مما أخذت شكل استثمارات أجنبية مباشرة في الحسبان، وما يعنيه ذلك من إمكانية الانتقال السريع لرؤوس الأموال هذه من الدول الناشئة بالاتجاه المعاكس أو باتجاه دول أخرى دفعت الكثير من المراقبين - مع أي انتكاسة يتعرض لها سوق ناشئ - للتنبؤ بالعودة لأزمة التسعينات التي أصابت ((النمور الآسيوية)) أو ما هو أسوأ من ذلك أي الوقوع في أزمة مديونية مشابهة لما حدث في ثمانينات القرن الماضي. إن الإشارة لمثل تلك الاحتمالات كانت لوقت طويل مجرد تكهنات تفتقر إلى المعلومات الكافية إلا أن التغير في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ أن أعلن في 14 حزيران يونيو 2017 عن البدء بسياسات نقدية جديدة عرفت اصطلاحاَ بسياسة التشديد الكمي تساعد على استشراف المستقبل عبر فهم الآلية الجديدة لعمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والذي أصبح من الواضح أن سياساته لا تقود فقط إلى التغير في السياسات النقدية عالمياً بل تلعب دوراً كبيراً في رسم مستقبل تلك الاقتصاديات، اما عن ماهية سياسة التشديد الكمي وكيف يمكن لها ان تؤثر في حركة رؤوس الأموال فهذا ما سوف نناقشه في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة.

(الجزء الأول)

 

Last modified on Friday, 21 December 2018 23:08
Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.