fbpx

AA Banner Right Join SAE Network 450

بين التيسير والتشديد الكمي إلى أين تتجه رؤوس الأموال 3؟ Featured

بين التيسير والتشديد الكمي إلى أين تتجه رؤوس الأموال 3؟

يلعب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دوراً كبيراً في تحديد اتجاهات الاقتصاد الأمريكي، لكن القليل من المستثمرين يفكرون بالتأثيرات غير المباشر لسياسات الاحتياطي الفيدرالي خارج الولايات المتحدة. في المقالين السابقين عالجنا موضوع التيسير الكمي وآلية تأثيره في حركة رؤوس الأموال عالمياً، في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة سوف نستعرض مفهوم سياسة التشديد الكمي وكيف يمكن لهذه السياسة ان تؤثر في اتجاهات رؤوس الأموال.

 

تشديد كمي

في 14 حزيران/يونيو 2017 أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن توقف عمليات السوق المفتوحة، أي عمليا اعلان توقف سياسة التيسير الكمي، لكن مع الإبقاء على حجم الميزانية العمومية ثابتاً أي إعادة الاستثمار في المشتريات دون شراء المزيد منها، وفي العام نفسه تم الإعلان عن رفع سعر الفائدة بواقع 0.25% واعيد رفع سعر الفائدة تسع مرات حتى وصل لحوالي 2.5% في نهاية 2018، وهو اعلى سعر فائدة منذ عشر سنوات. وبحسب الفيدرالي من المتوقع رفع سعر الفائدة مرتين في العام الحالي، كما اعلن التوقف عن عملية إعادة الاستثمار في سندات الخزينة وسندات الرهون العقارية وذلك بمقدار 50 مليار دولار شهرياً ترافق ذلك مع توضيحات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن نيته تطبيع ميزانيته، أي جعل حجمها طبيعيا، وهو الاسم الرسمي لسياسة التشديد الكمي حيث سيعمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سحب السيولة التي يراها فائضة من الأسواق الى حين تنخفض حجم ميزانيته الى الحجم الذي يراه طبيعياً دون وضع سقف لذلك.

 

لماذا التشديد الكمي الان؟

إذا كان لسياسة التيسير الكمي كل تلك الفوائد التي رأينها في المقالين السابقين فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو لماذا التشديد الكمي الآن؟ الجواب في كلمة التضخم، تبرز مشكلة الانجراف الى التضخم بشكل جدي بعد ان ضخت البنوك المركزية الكبرى المليارات في شراء أصول الشركات المالية والمصارف الخاصة بهدف تحسين وضعها المالي، وهو ما أدى بدوره الى ارتفاع أسعار تلك الاصول وتحسن مؤشرات الأسواق المالية، و ما يؤكد ذلك التحسن المؤشرات الإيجابية التي يظهرها الاقتصاد الأمريكي حيث انخفضت معدلات البطالة الى اقل مستوى لها منذ عام 1969 (3.7 %) كما ان معدل التضخم الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي قد وصل إليه بالفعل وهو بحدود ال 2 % وتبقى مهمة الاحتياطي الفيدرالي الان في الحفاظ على هذا المستوى من التحسن وعدم الدخول بموجة تضخم مفاجئة، لذلك ارتأى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأن الوقت قد حان لإعادة تطبيع الميزانية العمومية.

ان الحفاظ على هذا المستوى من التشغيل يحتاج الى ضخ الكثير من الاستثمارات أي جذب رؤوس الأموال الى الولايات المتحدة الامريكية، وذلك بعد الخروج الكبير لرؤوس الاموال باتجاه الأسواق الناشئة خلال فترة التيسير الكمي، وتترافق تلك السياسة مع الحرب التجارية التي اعلنها ترامب على العديد من الدول رغبةً منه بإعادة توطين تلك الاستثمارات داخل الولايات المتحدة، وتثبيت التحسن الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ توليه لمنصب الرئاسة، ومثلما كان التيسير الكمي غير مختبر في السابق فإن التشديد الكمي أيضا لم يسبق ان تم اختبار نتائجه الامر الذي يثير مخاوف الكثير من المستثمرين في الأسواق الناشئة من تداعيات تلك السياسية النقدية الجديدة.

 

نظرة عامة

يعتمد تقويم اثار سياسة التشديد الكمي على طبيعة النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة. ففي حين تعتمد الصين على سياسة التصدير-في الصناعات التحويلية بشكل خاص- فإن انخفاض قيمة عملتها مقابل دولار يعتبر محفزا لزيادة صادراتها بينما تتأثر الأسواق الناشئة الأخرى التي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية في نموها الاقتصادي، فاذا كان نجاح الأسواق الناشئة في استقطاب المستثمرين خلال فترة التيسير الكمي يعود الى العوائد المرتفعة على الأسهم والسندات والقدرة على تمويل عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات الحكومية والخاصة عبر الاقتراض الرخيص، بسبب ارتفاع سعر صرف عملاتها مقابل الدولار الامريكي، الذي كان متوفرا بسبب السيولة الضخمة التي عرضت في تلك الأسواق، فإنه يمكن لأسعار الفائدة المرتفعة أن تجذب المزيد من المستثمرين إلى الولايات المتحدة وتؤدي إلى خروج رؤوس الاموال من الأسواق الناشئة. يمكن لهذا الاستثمار الأجنبي المنخفض أن يضع الفرامل على النمو الاقتصادي في العديد من الاقتصادات التي تعتمد على مثل هذه الاستثمارات.

 

ارتفاع عبء الدين

استفادت العديد من حكومات الأسواق الناشئة من أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة للاقتراض بالدولار الأمريكي. على سبيل المثال، اقترضت جنوب إفريقيا بشدة عندما كان الدولار منخفضًا واستخدمت العائدات للمساعدة في تمويل نموها واحتياجاتها من الميزانية. ساعدت هذه الديناميات العديد من الأسواق الناشئة على التفوق في الأداء على مدى السنوات العديدة الماضية، ولكن هذه الاستراتيجية يمكن أن تعود عليها بنتائج عكسية عندما يرتفع الدولار من حيث القيمة وتصبح هذه الديون أكثر تكلفة.

الأخبار السيئة هي ان عملات الأسواق الناشئة قد بدأت بالفعل في الانخفاض، خسر البيزو الارجنتيني 50% من قيمته، ووصلت خسائر الليرة التركية الى حوالي 43% فيما خسرت الراند (جنوب افريقيا) 16% وسط توقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيزيد أسعار الفائدة في العام الحالي. الامر الذي يزيد من صعوبة تسديد الديون المقومة بالدولار الامريكية ليس فقط بالنسبة لحكومات هذه الدول بل أيضا بالنسبة للشركات الخاصة.

ان ارتفاع قيمة الدين الخارجي، يعني ان الاحتياطيات من العملات اقل من المبالغ المطلوب تسديدها لخدمة الدين الخارجي ودفع قيمة الواردات، الامر الذي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض التصنيف الائتماني وارتفاع تكلفة الاقتراض إذا ارتفع الدولار الأمريكي من حيث القيمة، وما يعنيه ذلك من صعوبة الحصول على التمويل اللازم للاستثمار في النمو.

 

انخفاض قيم الصادرات

تعتمد العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة على الصادرات السلعية-المواد الأولية بشكل خاص المرتبطة تاريخياً بالدولار الامريكي- لدفع نموها الاقتصادي. على سبيل المثال، تعتمد البرازيل وروسيا بشدة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، في حين تعتمد تشيلي والبيرو على نطاق واسع على النحاس والسلع الصلبة الأخرى. ان ارتفاع أسعار تلك السلع على مدى السنوات العديدة الماضية، حيث يتم تسعيرها بالدولار الأمريكي، كانت تعني الحاجة لدفع المزيد من الدولارات لشراء "قيمة" السلع نفسها، الامر الذي أدى الى ارتفاع قيمتها امام الدولار.

إذا ارتفع الدولار من حيث القيمة، سوف ينعكس على أسعار السلع التي تشهد مزيدًا من الضغط نحو الهبوط، شهدت أسعار خام الحديد في الأيام القليلة الماضية انخفاضاً هو الأكبر منذ عشرة سنوات, كون معظم سلع الأسواق الناشئة تباع بالدولار الأمريكي فإن هذا يعني أنها ستدر عائدات أقل بالقيمة الحقيقية. يمكن أن يترجم انخفاض الإيرادات إلى تباطؤ النمو وانخفاض التقييمات للشركات التي تركز على السلع التي تعمل في الاقتصاديات الناشئة.

قد يجادل البعض بان انخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة سوف يساهم في تعزيز الصادرات لكن هنا نتحدث عن انخفاض وليس تخفيض أي ان الامر لم يتم عبر قرار إداري صادر بشكل مدروس عن البنوك المركزية لتلك الدول، بل هو انخفاض يعود الى محددات العرض والطلب على تلك العملات، كما يعتمد على مرونة الطلب لهذه السلع, وعلى مدخلات عوامل الإنتاج والتي سوف ترتفع قيمة استيرادها بانخفاض قيمة العملة وهذا سوف يؤدي بأفضل الأحوال الى نتيجة صفرية. ويجب عدم اهمال الانعكاس السلبي لانخفاض قيمة العملة على الاستثمار الأجنبي في تلك الدول.

 

تقلب في اسعار الأصول

ومن بين الصدمات الأقل مباشرة، وربما الأكثر جوهرية، تقلب أسعار الأصول نتيجة لهروب رؤوس الاموال. وبالنظر إلى أن الرافعة المالية تزداد بشكل ملحوظ عندما يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة وتقلص التكلفة العالمية للتمويل، فإن الزيادة المفاجئة في التكلفة التمويل ونقص رأس المال المحلي قد يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركات وأسعار الأصول بشكل كبير. ولن تؤدي أسعار الأصول المتعثرة هذه إلى ارتفاع مستوى المديونية بسرعة فحسب، مما يزيد من عبء الديون في بلد ما، بل إنه يضعف أيضا جودة الأصول في المؤسسات المالية للبلد، التي عادة ما تتعرض لمخاطر تقلبات كبيرة.

من المرجح أن تقدم أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة تحديات جدية للأسواق الناشئة، خاصة تلك التي تعاني من ضعف في التمويل الخارجي مثل البرازيل وتركيا وجنوب إفريقيا أو الحكومات والشركات والبنوك التي لديها مبالغ كبيرة من الديون المقومة بالدولار والتي أصبحت خدمة دينها أكثر تكلفة.

 

العالم العربي

يبقى العالم العربي الأقل تأثرا في سياسة التشديد الكمي, وذلك يعود لجملة من الأسباب أهمها توفر الفوائض المالية المتحققة من تصدير النفط والاحتياطيات الضخمة من العملات الاجنبة وهو الامر الذي يكاد ينحصر بدول مجلس التعاون الخليجي ويضاف الى ذلك الإصلاحات الهيكلية التي تقدم عليها دول المجلس عبر تقليل اعتمادها على صادرات الطاقة في تحقيق النمو وتخفيض الدعم الحكومي وتقديم التسهيلات للعمليات الاستثمارية المنتجة, في حين يتوقع ان تحقق الدول العربية الخارجة من الحروب معدلات نمو هي الأعلى في العالم للسنوات القليلة المقبلة (حسب تقديرات البنك الدولي) و مرد ذلك ان تلك الدول سوف تدخل في مرحلة إعادة الاعمار في سنوات المقبلة مما يفسح المجال لتحقيق نمو مرتفع (يضع البنك الدولي اليمن في المرتبة الأولى من حيث نمو بمعدل 14 % في عام 2019 وهو اعلى معدل نمو عالمياً في حين تحل ليبيا في المرتبة الثانية بحوالي 7 %) فيما تبقى كل من لبنان والأردن ومصر من الدول العربية الأكثر عرضةً للتأثر بسياسة التشديد الكمي بسبب معدلات الدين العام المرتفعة والتي تصل الى اكثر من 160 % من اجمالي الناتج المحلي في لبنان.

 

الخاتمة

في الختام لا يمكن القول بشكل مطلق وعام بأن رؤوس الأموال سوف تهرب من الدول الناشئة وكأنه قدر محتوم، فالأمر بالنهاية يعتمد على مدى حكمة متخذي القرارات الاقتصادية في تلك الدول. يتعين على الاقتصادات الناشئة أن تتخلى عن نموذج النمو "الفقاعي" قصير الأجل الذي تغذيه الديون وتقلبات حركة رؤوس الأموال، وأن تجد طرقها الخاصة لزيادة وتيرة التنمية الاقتصادية. وعندما يحدث ذلك فقط، ستتمكن من تجاوز اعتمادها على الدورة الاقتصادية العالمية، والتعرض الحساس لسياسات النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فمهما كانت التداعيات التي تفرزها السياسة النقدية أو غير النقدية الصادرة عن الدول المتقدمة فإن الديناميات الذاتية في الأسواق الناشئة تبقى المحدد الرئيس لمدى حسن سير النمو الاقتصادي.

Last modified on Friday, 11 January 2019 12:22
Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.