fbpx

AA Banner Right Join SAE Network 450

بين التيسير والتشديد الكمي إلى أين تتجه رؤوس الأموال؟ Featured

يوم الاثنين الخامس عشر من أيلول/سبتمبر عام 2008 يعلن أحد أكبر وأعرق المصارف الأمريكية "ليمان براذرز" إفلاسه.

هكذا بدأ الإعلان الرسمي عن دخول الاقتصاد الأمريكي ولاحقاً العالمي عهد أزمة مالية باثنين أسود على غرار الاثنين الأسود في أزمة الكساد الكبير في عام 1929، واضعاً الإدارة الأمريكية في موقف لا تُحسد عليه، وإن كانت الأزمة الاقتصادية لم تهبط من السماء في ذاك اليوم، إلا أن محاولات الإدارة الأمريكية منذ عام 2000، أي بعد انفجار فقاعة الدوت كوم، وأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ، وما تبعها من انكماش اقتصادي، كانت قد باءت بالفشل ولم تحظى سوى بتأثير محدود لم يكن ليمنع انفجار أزمة الرهون العقارية في عام 2008 والتي جاء على أثرها إفلاس "ليمان براذرز" كتأكيد على أن الاقتصاد العالمي وقع في أزمة ركود لن تجدي معها السياسات الاقتصادية التقليدية للخروج منه إلى دورة اقتصادية جديدة، أي أن الاقتصاد الأمريكي بدى وكأنه عالقاً عند حلقة الركود، ونظراً لذلك شرعت المؤسسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بإتباع سياسات نقدية وصفت بأنها غير تقليدية، وقد عُرفت هذه السياسات مجتمعة باسم " التيسير الكمي ".

فما هي إجراءات التيسير الكمي، وكيف يمكن لهذه الإجراءات التأثير في تبعات أزمة الرهون العقارية، ثم ماهي إجراءات التشديد الكمي التي يتردد اصداءها هذه الأيام في وسائل الاعلام؟ وما علاقة تلك الإجراءات بحركة رؤوس الأموال عالمياً؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه من خلال سلسلة من المقالات تتناول أثر تلك السياسات في حركة رؤوس الأموال، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الحركات في عمليتي التمويل والاستثمار المباشر في الأسواق الناشئة.

 

الوقوع في المصيدة

عندما يمر أي اقتصاد بحالة من الانكماش في النمو فإن السلطات النقدية تعمد إلى تنفيذ إجراءات نقدية توسعية تتمثل في تخفيض أسعار الفائدة و التأثير بأسعار الصرف وشروط الائتمان بغية تحفيز النشاط الاقتصادي من خلال جعل كلفة الحصول على الأموال أرخص، ويزداد بذلك الطلب على الائتمان، إلا أن ما حدث خلال أزمة 2008 أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان قد اتبع تلك السياسات النقدية التوسعية مسبقاً، لكن استجابة المصارف لتلك السياسات كانت ضعيفة بسبب الأوضاع غير المستقرة ومخاطر الائتمان بالإضافة الى حالة العسر المالي التي أصابت العديد من المصارف و المؤسسات المالية الأمريكية ، فأسعار الفائدة على احتياطيات البنوك في الفيدرالي الأمريكي وصلت إلى 2 % في نهاية شهر حزيران/ واستمر الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة حتى وصلت ما بين (0-0.25%) وبدلاً من أن تعود البنوك إلى عملها الطبيعي، أي منحها الائتمان للقطاع الخاص، فإنها لجأت للاستثمار في أدوات مالية أكثر أماناً كسندات الدين الحكومية ذات التصنيف الائتماني المرتفع ( (AAA وعند هذه النقطة يمكن لنا القول بأن الاقتصاد الأمريكي قد وقع في المصيدة، مصيدة السيولة وهو مصطلح من ابتكار الاقتصادي البريطاني كينز، وهو يعبر عن الوضع الذي يصل فيه الطلب على النقود إلى مرحلة الإشباع، حيث يصبح ثابتاً عند وصول معدل الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، ومع إصابة الاقتصاد الأمريكي بهذه الحالة وازدياد حالة عدم الثقة والنظرة التشاؤمية في الأسواق مع تكرار حالات الإفلاس والعسر المالي للآلاف من المقترضين في قطاع الإسكان، سارع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للإعلان عن خطة إنقاذ طارئة.

 

خطة طارئة واستراتيجية

25 تشرين الأول 2008 يعلن الاحتياطي الفيدرالي عن خطة إنقاذ طارئة، عُرفت فيما بعد باسم "التيسير الكمي" ويُوصف التيسير الكمي بأنه أحد أشكال السياسات النقدية، التي تقوم بموجبها السلطات النقدية بشراء مروحة واسعة من الأصول المالية تهدف من خلالها لتسهيل عملية الائتمان عبر خلق النقود وتخليص السوق من الأوراق المالية السامة ( كالأوراق المالية عالية المخاطر المضمونة بعقارات سبق و انهارت أسعارها، بالإضافة الى القروض المعدومة) عبر دخول السلطات النقدية كمشتري لتلك الأصول من المصارف والمؤسسات المالية، وبذلك تنقذها من الانهيار وتجعلها قادرة على منح الائتمان من جديد وإعادة الثقة بوضع الأسواق. وهي سياسة طارئة من حيث أنها لا تُتبع في الحالات الطبيعية، وهي استراتيجية من حيث أنها تهدف الى إحداث تصحيحات اقتصادية طويلة الأجل من حيث الأثر والمدة.

 

على أرض الواقع

كما ذكرنا في السابق أن الفيدرالي الأمريكي لم يقف مكتوف الأيدي بل تدخل عبر خطة طارئة واستراتيجية، تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الأمريكي عبر سياسات نقدية سُميت بالتيسير الكمي ولقد تم تنفيذ سياسة التيسير الكمي عبر ثلاث برامج وهي:

  • برنامج التيسير الكمي الأول:

في 25 تشرين الأول 2008 أعلن عن خطة لشراء ما قيمته 100 مليار دولار من ديون الشركات المدعومة من قبل الحكومة، و500مليار أخرى من الأصول المدعومة برهون عقارية، ثم أعلن عن خطة شراء إضافية في آذار 2009، شملت 100 مليار دولار من ديون الشركات المدعومة من قبل الحكومة، و750 مليار دولار من الأصول المدعومة برهون عقارية، و300 مليار أخرى من سندات حكومية طويلة الأجل، وقد ضاعفت هذه المشتريات القاعدة النقدية في الولايات المتحدة الامريكية مرتين.

 

  • برنامج التيسير الكمي الثاني

3 تشرين الثاني 2010 تم الإعلان عن خطة شراء بقيمة 600 مليار دولار تشمل سندات حكومية، وذلك بهدف إرساء دعائم تحفيز النمو وإعادة التضخم إلى مستوياته المعتادة عند معدل 2 % سنوياً. عُرفت هذه الإجراءات بالبرنامج الثاني من التيسير الكمي، وقد صُمم خصيصاً لتخفيض معدلات الفائدة الحقيقية على السندات الحكومية في الأجل الطويل، ورفع معدلات التضخم.

 

  • برنامج التيسير الكمي الثالث

ظل النمو الاقتصادي بطيئاً على مدار السنوات الأربع التي امتد خلالها البرنامجين الأول والثاني، ولمواجهة ذلك أعلن الاحتياطي الفيدرالي في حزيران عام 2012، عن إجراء عملية ثانية لتبديل السندات، من خلال استبدال ما قيمته 267 مليار دولار من سندات الخزينة قصيرة الأجل بأخرى ذات أجل طويل. رغم ذلك استمرت بيانات سوق العمل في الولايات المتحدة بالتراجع، مما أقلق مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، ليعلن مجلس عمليات السوق المفتوحة في 13 أيلول 2012 عن برنامج جديد للتيسير الكمي، لكن بأسلوب مختلف هذه المرة، حيث سيتم الاستمرار بشراء الأصول لفترة طويلة عوضاً عن شراء كمية ضخمة منها دفعة واحدة، وبالفعل تم شراء 40 مليار دولار من السندات المدعومة برهون عقارية شهرياً، وفي 12 كانون الأول 2012، أعلن مجلس عمليات السوق المفتوحة عن إضافة 45 مليار دولار من السندات الحكومية طويلة الأجل إلى ال 40 مليار السابقة ليصبح إجمالي حجم المشتريات الشهرية من الأصول 85 مليار دولار شهرياً.

في كانون الأول عام 2013 أُبطئت عمليات الشراء بشكل تدريجي، و اُنهي البرنامج الثالث في تشرين الأول من عام 2014.

 

الى أين اتجهت تلك الأموال؟

ترتبط الإجابة عن هذا السؤال بمعرفة الآثار المحتملة لبرامج التيسير الكمي على المستوى الدولي، وللإجابة عن هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة على ميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

تشير ميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في بداية الأزمة عام 2008 بأن حجم الالتزامات المترتبة عليه قد بلغت 1 ترليون دولاراً، بينما وصلت حجم الالتزامات إلى 4.5 ترليون دولار بداية عام 2016!

يمكن تقسيم الزيادة في حجم الالتزامات الفيدرالي الأمريكي الى قسمين: 2.4 ترليون دولار وتتمثل بإجمالي حجم ودائع المؤسسات المالية، و1.4 ترليون دولار، كقيمة للأوراق النقدية المطروحة للتبادل. لكن ماذا تعني تلك الأرقام؟ بالنسبة للقسم الأولى تعني أن عمليات الشراء التي قام بها الفيدرالي الأمريكي قد تم تحويلها إلى ودائع للمؤسسات المالية التي اشترى منها الفيدرالي الأصول المالية، أي إن ما حدث فعلاً أن الفيدرالي الأمريكي قد حمل عبء الخسائر المحتملة والمحققة للبنوك والمؤسسات المالية على عاتقه منقذاً بذلك تلك المؤسسات ومعها القطاع المالي والاقتصاد الأمريكي من الانهيار، فالسيولة التي ضخمها الفيدرالي بقيمة 2.4 ترليون دولار بقيت حبيسة إدراجه، بينما انتقل 1.4 ترليون دولار إلى الأسواق المالية، كأوراق نقدية ، أي كدولارات قد طبعها الفيدرالي، وهو ما يفسر جزئياً حقيقة النسبة المنخفضة لمعدلات التضخم، التي لم تتجاوز في أعلى معدلاتها 5 % وذلك في عام 2009 ، وهي نسبة ضئيلة لاقتصاد يمر بأزمة مالية حادة، وتضاعفت فيه القاعدة النقدية مرتين !

الجزء الأهم الذي يفسر ذلك هو القيام العديد من الدول باستيراد سياسة التيسير الكمي (كالمركزي الأوروبي والبريطاني) من جهة ومن جهة أُخرى السياسات التي اتبعتها العديد من الدول الناشئة، كما حدث في الصين، حيث اتهمها بن برنانكي في عام 2010 بتقييم اليوان الصيني بأقل من قيمته الحقيقية، بهدف زيادة صادراتها الأمر الذي يمنح الصادرات الصينية ميزة تنافسية على حساب نظيرتها الأمريكية. بكلمات أخرى فإن سياسة المعاملة بالمثل قد جعلت من برامج التيسير الكمي التي تُحدث بشكل غير مباشر انخفاضاً في سعر صرف الدولار، غير ذات أهمية.

 

البداية لآثار بعيدة الأمد

من المؤكد أن سياسات التيسير الكمي لم تقتصر على الداخل الأمريكي، كما لم تقتصر على" حرب عملات" دولية، بل أن المتغير الأهم جرى في عمليات انتقال رؤوس الأموال، إذ تشير التقديرات إلى تدفقات خارجية كبيرة خرجت من الولايات المتحدة خلال فترة التيسير الكمي، وقد توجه قسم كبير من هذه الأموال نحو الأسواق الناشئة. فما هو أثر تلك التدفقات على الأسواق الناشئة، وما هي العلاقة بين حركة رؤوس الأموال هذه وإجراءات التشديد الكمي وحالة الانكماش الاقتصادي والعسر المالي التي تعيشها العديد من الدول الناشئة في الفترة الأخيرة.

هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في الأجزاء القادمة.... (الجزء الثاني)

Last modified on Friday, 21 December 2018 21:40
Rate this item
(8 votes)

Leave a comment

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.