fbpx

هل يمكن انجاح المشاريع في بلد تعاني من الحرب؟

العربية English  French German

نلتقي رائدة الاعمال السويسرية من أصل سوري، رانيا كنج، في مقر جمعية "صناعة نسائية" التي تحوي منتجاتها اليدوية "أنا أحب سوريا" في قلب مدينة جنيف. في هذا الديكور الذي يزخر بالالوان الزاهية، والتصاميم المزركشة، نستعرض رحلتها الشيقة والمثرية.

 

 كيف أصبحت رائدة أعمال؟

غادرت وطني الأم في سوريا في عمر 6 أشهر للالتحاق بوالدي الذي كان يعمل دبلوماسيا، حيث عشت في سويسرا ونيويورك وباريس ودرست في المؤسسات التعليمية الدولية. بعد دراسة إدارة الأعمال، بدأت مسيرتي المهنية في شركة متخصصة في أنظمة الإدارة في جنيف. خلال إقامتي في نيويورك وقعت في حب المجوهرات الشهيرة شوارفسكي "Swarovski" التي كانت معروضة في احدى المتاجر، ومن فرط اعجابي بها اشتريت منها الكثير. ومن ثم بدأت بصناعة مجوهراتي الخاصة وفتحت متجري في جنيف.

ثم عملت على زيادة إنتاجي، وهنا قال لي والدي: "أعط سوريا فرصة، دمشق وحلب لديهما حرفيون جيدون جدا". لقد كان على حق. فقد بدأت منذ العام 2001 بالتعاون مع هؤلاء الحرفيين لتصدير منتجاتهم كالأوشحة الحريرية من حلب. ثم انشأت ورشة العمل الخاصة بي في دمشق وشغلت 12 موظفاً. تم بيع إبداعاتي في الخارج، في المتاجر الراقية مثل محلات نيقولاس هارفي "Harvey Nichols" والمحلات التجارية الاخرى الفاخرة وخاصة في جنيف. كنت أستهدف سوقا متخصصة للغاية. في نهاية الأمر ولسوء الحظ، أثرت الاختلافات الثقافية والقيم والأخلاق التجارية السائدة هناك على الإنتاج والعلاقات التجارية، فقررت إغلاق المتجر.

كانت الحرب هي التي جعلتني أبدأ نشاطًا رياديًا في سوريا وأطلق العلامة التجارية "أنا أحب سوريا" في عام 2012، لمساعدة أولئك الذين فقدوا كل شيء. يتم تصنيع إبداعاتنا بالكامل من قبل النساء النازحات بسبب الحرب. كن في البداية ثمانية نسوة، واليوم وصل العدد الى مئة، موزعات في العديد من المدن في أنحاء البلاد. تباع منتجاتنا عبر الإنترنت الى السوق الدولية. نحن المؤسسة الاجتماعية الأولى من نوعها في سوريا، وهي مستقلة تماماً.

 

أنت تعرفين مشروعك باعتباره مشروعا اجتماعيا، فما هو نموذج عملك الاقتصادي؟

ينتشر نموذج الأعمال ذو الطابع الاجتماعي شيئا فشيئا في فرنسا وبلجيكا وسويسرا والولايات المتحدة، لكنه غير موجود في القانون السوري. لهذا تم تسجيل المشروع كشركة محدودة المسؤلية في حين تم تسجيله في سويسرا كمنظمة غير حكومية يحق لها القيام بالتجارة للتمويل الذاتي.

معظم النساء اللاتي أعمل معهن لا يتمتعن بأية معرفة أو تعليم مسبق. نحن نقدم لهن تدريبًا لمدة ثلاثة أشهر، وتستلم كل واحدة اجرها حسب القطعة المنجزة، ويتم تحديد الأجر وفقا لمعدل السعر استنادًا إلى الإنتاج الشهري الفردي وسعر البيع. على سبيل المثال، بالنسبة لفتاة تنجز من 4 إلى 5 حقائب في شهر واحد تحصل على مبلغ يتراوح بين 200 و250 دولار، وهو ما يعادل أربعة أضعاف متوسط الراتب الحالي في سوريا. بالنسبة للبيع، فانه نظراً للظروف الراهنة واستحالة عقد صفقات تجارية حالياً في سوريا، فإن منتجاتنا تباع في السوق الدولية بفضل التجارة الإلكترونية. هدفنا هو أن نكون قادرين على تمويل أنفسنا بالكامل من خلال المبيعات، ولكننا لم نصل بعد الى حالة توازن مالي.

 

كيف توصلت الى فكرة "أنا أحب سوريا"، ولماذا مستلزمات الموضة؟

بالنظر إلى الظروف التي توجب العمل فيها، كان لا بد من الاستغناء عن الكهرباء في العملية الانتاجية. كما توجب أن تكون تقنيات التصنيع بسيطة بما يكفي لتدريسها في غضون أيام قليلة. لهذا فكرت في أساور مطرزة ومزينة باللؤلؤ ومستوحاة من المنتجات التذكارية في المحلات السياحية في شارع برودواي في نيويورك تحت مسمى "أحب نيويورك"، فتخيلت مسما مشابها "أحب سوريا". بحيث تستخدم العلامة العلم الوطني السوري كشعار رمزًا لوحدة سوريا قبل الحرب.

عرضت فكرة المشروع على النساء في مخيم للنازحين كونه سيتيح لهن كسب المال الكافي لمغادرة المخيم واستئجار شقة وتعليم أطفالهن في المدارس وممارسة حياتهن بشكل طبيعي. استجابت الكثيرات منهن لهذه الفكرة. وخوفا من الانجرار وراء الفساد ومن صعوبة التعامل مع المنظمات التي تدير هذه المخيمات، رفضت العامل معهم. ومن ثم فقد تحولت شقتي في دمشق إلى ورشة إنتاج.

بدأت ثماني نساء بالعمل في المشروع على الرغم من كثرة نقاط التفتيش في مكان عملنا. كان الأمر صعبًا أيضًا بالنسبة لي لأنني اضطررت للتعامل مع أشخاص مشبعين بالعديد من الافكار التي من الصعب بمكان تغييرها. لكننا ثابرنا، ثم استأجرنا ورشة صغيرة في وسط السوق حيث كنا النساء الوحيدات في المنطقة، ثم استأجرنا مكتبًا ثم ورشة عمل أكبر، حتى أننا جهزناها بمراحيض، وهو ما شكل نقلة كبيرة بالنسبة لنا! - ونحن فخورون جدا بذلك.

 

ماذا كانت استراتيجيتك لدخول السوق الدولية؟

كدت أن أستسلم في العام 2016. فمع القصف اليومي ونقص المياه والكهرباء كنا بالكاد نستطيع الإنتاج. وبما أنه لم يكن أحد ليشتري منتجاتنا ولم تحقق الشركة أي ربح، كان علي أن أضخ الأموال باستمرار. وذات يوم اكتشفت على شبكة الإنترنت مبادرة الأزياء الأخلاقية "Ethical fashion" لمركز التجارة الدولية (ITC) في جنيف. تهدف المبادة إلى ربط الحرفيين المهمشين في البلدان النامية مع دور الأزياء الدولية. قمنا في شهر شباط/فبراير 2016 بعرض إبداعاتنا لأول مرة في جنيف، وهو ما مكنني لاحقا بمشاركة مجموعة من زملاء الدراسة في كلية ليمن "Collègue du Léman" ومساعدة حكومة جنيف من انشاء جمعية "صناعة نسائية" أو "Made by Women". ثم دخلنا في شراكة مع مركز التجارة الدولية، بتمويل من الحكومة اليابانية للوصول إلى أدوات تكنولوجيا التجارة الإلكترونية.

تمكنا منذ ذلك الحين من تصدير منتجاتنا من سوريا. وتوالت الأحداث تباعاً: شاركنا في معرض للمبيعات في جنيف في قصر الأمم المتحدة، ثم في مركز التجارة الدولية، بمناسبة مؤتمر "اي كوم كارفان" "eComCaravan"، والأسبوع من أجل السلام بمناسبة احتفالات رأس السنة الميلادية. مع تحسن مبيعاتنا تمكنا من تنويع الإنتاج وطرح منتجات اكثر اتقانا. كما تمكنا من دعم الحرفيين الآخرين من جميع أنحاء سوريا، من حمص واللاذقية ودمشق وحلب لتصدير منتجاتهم. قمنا في معرضنا الأخير بشحن 5 أطنان من المنتجات إلى جنيف!.

اننا متواجدون اليوم على جميع الشبكات الاجتماعية الهامة حيث ننشر صور منتوجاتنا عالية الجودة. لدينا الكثير من المعجبين ونتلقى العديد من الاتصالات من جميع أنحاء العالم لعرض منتجاتنا أو للشراء بالجملة. لقد أنشأنا شبكة من النساء اللاتي يشاركننا نفس الرؤية للأزياء الأخلاقية والنساء اللواتي يرغبن في مساعدة النساء الأخريات اللواتي يعشن في مناطق حروب أو في ظروف الفقر. نصدر منتجاتنا الى استراليا ونيوزيلندا والمانيا والولايات المتحدة واسبانيا وسويسرا والجزائر والأردن. وفي اليابان فاننا نتعاون مع شركة شيبويا 109 اليابانية "Shibuya 109" التي تعد قبلة صناع الموضة في طوكيو. حتى اننا تلقينا زيارة من وفد وزارة الخارجية اليابانية الذي هنأنا بدوره على نجاحاتنا!.

 

هل من الممكن الوصول الى النجاح في المشاريع في بلد مزقته الحرب؟

ان أصعب شيء هو إدارة الجوانب الخاصة بالخدمات المساندة "اللوجستية". ورغم أنه من غير المفترض أن تطال العقوبات الدولية المفروضة على سوريا المنظمات غير الحكومية أو أنشطة الكفاف، فإننا نواجه العديد من المعوقات. وعندما تواجهنا مشكلة من هذا القبيل، نضطر لاظهار رأيا قانونيا لمحاورينا قدمته لنا جامعة جورج تاون للقانون. نقوم من خلال جمعية "صناعة نسائية" "Made by Women" بارسال جميع المستلزمات من سويسرا. أما بالنسبة لمنتجاتنا فإنها تمر عبر بيروت ثم يتم تخزينها في سويسرا لحين يتم شحنها إلى الزبائن. وبخصوص المبيعات عبر الإنترنت، وقعنا اتفاقا مع قسم الخدمات المساندة "اللوجستية" لدى البريد السويسري، وهي ما تعرف بخدمة "YellowCube". حيث نقوم بترقيم منتوجاتنا وتخزينها في مركز الطلبات الآلي والمرتبط بالموقع الخاص بي على الإنترنت www.raniakinge.com ليتم الاستجابة لطلبات الزبائن بشكل تلقائي. نحن نعتبر الشركة الوحيدة في سوريا وربما في الشرق الأوسط التي تستخدام هذه التكنولوجيا!.

 

ما هي النصيحة التي تقدميها لمن يريد أن يحذو خطاك؟

يتوجب على من يريد أن يبدأ مشروعا أن يتحلى بالارادة. في حالة مثل سوريا، عليك أولاً التعامل مع ضغوط الحرب والقنابل التي تسقط بين الحين والاخر. لكن مثل هذه المخاطر يشترك فيها جميع الناس، فأنت لست وحدك، لكن من ناحية أخرى لاتمام مشروعك فانه يتوجب عليك القيام بمهام محددة ملقاة على عاتقك وحدك، ومن هنا ينبع الشعور بالعزلة وهو أمر ثقيل جداً.

بالنسبة لعقلية رائد الأعمال فان كل شيء ممكن. في سويسرا حتى لو كنت امرأة، إذا كان لديك فكرة تلبي حاجة، ستجدين الدعم. في المقابل في الشرق الأوسط لا يتلقى الأشخاص ذوي الافكار التقدير أو الدعم. لذلك على المرء أن يكون مثابرا جدا، ولا بد من طرق الأبواب مرارا وتكرارا، فسوف تفتح في نهاية المطاف. ثم ان توفر الإرادة القوية للقيام بعمل جيد وذكاء القلب أمر مهم ايضا، خاصة للحيلولة دون الاستكانة الى الفساد. فالفساد بالنسبة لمشروع اجتماعي يفشل كامل المهمة، وفي هذه الحالة لا يعود الأمر يستحق العناء. كما يجب أن نقبل السير ببطء بحيث نمضي قدما نحو الهدف. ولنتذكر دائما أن دعم الاصدقاء امر هام وضروري!.

 

كيف ترين مستقبل مشروعك؟

كان هدفي من المشروع في البداية دعم أكبر عدد ممكن من النساء. لكن لتحقيق ذلك لا بد من ايجاد نموذج أعمال قابل للحياة عن طريق توليد ربح كاف لتغطية المصروفات وجعله مجديا. هذا العام يصادف عامنا السادس ونحن نقترب من تحقيق هذا الهدف.

اتطلع في المستقبل الى استنساخ نموذجي في بلدان أخرى كالعراق وفلسطين والأردن ولبنان وتركيا، حيث يتصل بنا العديد من النساء لهذا الغرض.

أعتقد أن توفير سبل العيش الكريم للناس هو أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب. نحن بحاجة إلى إنشاء المزيد من المشاريع الاجتماعية وتمكين الناس من سد احتياجاتهم بأنفسهم في بلادهم وفقا لثقافتهم. ونتطلع ايضا الى تشغيل اللاجئين السوريين في البلاد المضيفة بما يساعدهم في العودة الى ديارهم.

هذا ما أطمح اليه في المستقبل!.

 

 

للتواصل: This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

 

 

Last modified on Tuesday, 18 December 2018 08:51
Rate this item
(1 Vote)

Leave a comment

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.