ترتبط أسماء الدول والمدن بذاكرة الانسان بمجموعة من الصور والأفكار، فحينما يتبادر الى الذهن اسم سويسرا فيمكن المراهنة بان اول ما يخطر في بال أي شخص هو الساعات والشوكولا السويسرية الفاخرة، لكن القليل يعلم ان في هذا البلد صناعة دوائية عريقة تعد اليوم من اهم مراكز الصناعات الدوائية والأبحاث الطبية في العالم. فلسويسرا تقاليد عريقة وتاريخ طويل في مجال الرعاية الصحية، فمنذ العصور الرومانية عدت سويسرا مركزا للعلاجات الطبيعية والمنتجعات الصحية التي تحظى بثقة الزوار الأوربيون الأثرياء.
القطاع الصحي السويسري في مواجهة جائحة كورونا
مع تحول فايروس كورونا المستجد الى وباء عالمي أصبح الطلب على الأجهزة والمعدات والادوية الطبية المستخدمة في مواجهة هذا الوباء من أكثر المنتجات طلباً على المستوى العالمي، وهنا برز التحدي الأهم للقطاع الصحي في سويسرا من ناحية تلبية الطلبات الضخمة على منتجاته لتصبح سويسرا في الربع الأول من عام 2020 ثالث أكبر مصدر لمعدات الفيروس التاجي (كوفيد19) في العالم بعد كل من الولايات المتحدة الامريكية وألمانيا بإجمالي صادرات بلغ أكثر من 22 مليار دولار.
أجهزة التنفس الاصطناعي نموذجاً للريادة السويسرية
تعد شركة هاميلتون بونادوتس (Hamilton Medical) الطبية من الشركات الرائدة في مجال تطوير أجهزة التنفس الاصطناعي فحتى قبل اجتياح فايروس كورونا للعالم استطاعت الشركة تطوير جهاز تنفس اصطناعي يعمل على تنظيم نفسه بصورة آلية عبر القياس الآلي لمهام القلب والرئة وغيرها، وبذلك يخفف عن الطبيب مهام مراقبة انضباط الجهاز، وإعادة ضبطه بصورة مستمرة، وهي الميزة التي كانت المشافي بأشد الحاجة إليها في ظل جائحة كورونا، وبالفعل تبيع اليوم الشركة عددا من أجهزة التنفس الاصطناعي شهرياً يوازي ما كانت تبيعه خلال العام الماضي بالكامل.
لكن المفارقة ان معدلات المبيعات لشركة هاميلتون بونادوتس الطبية من أجهزة التنفس الاصطناعي كانت ترتفع بصورة سابقة لانتشار جائحة كورونا، فمعدلات النمو في المبيعات كانت قد زادت بالفعل بنسبة 20%و30% في العامين السابقين على التوالي. الامر الذي يشير الى أن الاستثمار في التطور التقني سوف يحصد فوائده في جميع الأحوال، وليس الامر مغامرة غير محسوبة المخاطرة وتعتمد على الحظ.
أكبر القطاعات التصديرة السويسرية الى العالم
لعل السمعة العالمية للساعات السويسرية قد تجعلنا نظن انه القطاع الأهم في الاقتصاد السويسري لكن في الحقيقة تأتي صادرات السويسرية من الساعات بالمرتبة الثانية بعد صادرات سويسرا من قطاع الكيماويات والمستحضرات الطبية حيث بلغ مجمل صادراتها من هذا القطاع في عام 2010 ما يناهز 76 مليار فرنك سويسري مما يجعله اهم قطاع في البلاد، إذ تفوق صادرته ضعف صادرات قطاع الساعات، كما ان قطاع الكيماويات والمستحضرات الصيدلية يستثمر في مجال البحوث أكثر من القطاعات الثلاثة التي تليه في الأهمية مجتمعة.
وصلت صادرات سويسرا من المعدات الطبية لكوفيد19 الى أكثر من 22 مليار دولار عن الربع الأول لعام 2020 فقط أي بزيادة 15% عن الربع الأول لعام 2019. اما في عام 2019 نفسه فقد ارتفعت صادرات سويسرا من معدات كوفيد19 من 70.4 مليار دولار في عام 2018 الى حوالي 77.9 مليار دولار بنسبة نمو تعادل 10.6%.
وهنا تجد الإشارة بان صادرات سويسرا من معدات كوفيد19 لا تشمل على علاج او لقاح ضد فايروس كورونا المستجد بل هي مجموعة من المعدات والأجهزة والأدوية والمستحضرات التي استخدمت في رعاية ومعالجة المصابين بفايروس كورونا، كما كانت تستخدم في علاج امراض الجهاز التنفسي الأخرى ومن اهم هذه الأجهزة هي جهاز التنفس الاصطناعي.
يوضح الرسم البياني الآتي تطور الصادرات السويسرية من المعدات الطبية لكوفيد19 منذ العام2010
يلاحظ من خلال الرسم البياني السابق التطور الهائل في الصادرات السويسرية من هذه المنتجات فمن 27 مليار دولار في عام 2010 الى 77.9 مليار دولار في عام 2019 أي بارتفاع 188% الامر الذي يعكس مدى النمو والتوسع التي حققته الشركات الطبية السويسرية في هذا المجال وهو ما أهلها للعب دور ريادي في تلبية منتجات كوفيد19 مع توسع ازمة وباء كورونا في الأسابيع القليلة الماضية.
يمكن الرد الأسباب التي جعلت من سويسرا من اهم المصدرين لمعدات كوفيد19 الى عامليين رئيسيين هما ضخامة الشركات السويسرية المختصة في هذا المجال والتي يأتي في مقدمتها شركة هوفمان-لا روش التي تصنف كثاني اكبر شركة طبية في العالم والتي يليها شركة سويسرا أخرى وهي شركة نوڤارتـِس العالمية والتي تصنف كثالث أكبر شركة طبية في العالم.
اما العامل الثاني فهو المراكز البحثية والكليات التي يتم توظيف مخرجاتها في تطوير العقاقير والأجهزة الطبية والتي تعتبر ركيزة أساسية في تفوق سويسرية ليس في القطاع الطبي فقط بل في مجالات أخرى مرتبطة بالتكنولوجيا عالية المستوى.
