fbpx

بدأت التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية الروسية في الظهور منذ الأيام الأولى لها عبر الارتفاع الكبير في أسعار النفط والحبوب. وقد وصفت هذه التداعيات في حينها بأنها صدمة اقتصادية مؤقتة، أي أن الأسواق سوف تصحح الأسعار على المدى المنظور، لكن مع تجاوز الحرب شهرها الثاني بكل ما حمله من عقوبات اقتصادية على روسيا وأضرار كبيرة طالت الاقتصادين الروسي والأوكراني، أخذت الصدمة الاقتصادية بالتحول إلى صدمة دائمة، وللصدمة الدائمة تبعات ستنقل الاقتصاد العالمي إلى وضع مختلف عما كان عليه، أي أن الأسواق لن تعود إلى وضعها السابق على المدى المنظور.

تأثرت الاقتصاديات العربية بما تأثر بها الاقتصاد العالمي، وعلى اعتبار أن اقتصاديات الدول العربية مختلفة في بنيتها وفي علاقتها الاقتصادية مع طرفي الحرب الرئيسيين؛ روسيا وأكرانيا، فإن تداعيات الأزمة الاقتصادية على اقتصاديات الدول العربية انقسمت بين دول رابحة ودول خاسرة. في هذا المقال سنحدد من هي تلك الدول ولماذا يمكن وصفها بالرابحة أو الخاسرة.

 

التأثيرات على التبادلات التجارية العربية- الروسية

بلغ إجمالي صادرات الدول العربية إلى روسيا نحو 1.97 مليار دولار في عام 2020 بنمو يفوق 100% مقارنة بعام 2010، بالمقابل فإن الصادرات الروسية إلى الدول العربية بلغت في العام نفسه نحو 15 مليار دولار، بنسبة نمو وصلت إلى 103% قياساً بعام 2010. وبذلك يكون الميزان التجاري يميل لصالح روسيا بفارق يتجاوز 13 مليار دولار.

أما عن أهم الشراكات التجارية العربية مع روسيا، فنجد أن مصر تأتي في المركز الأول من حيث حصتها من الصادرات والواردات من روسيا، إذ تعد مصر مسؤولة عن 29% من الصادرات العربية إلى روسيا ونحو 27% من الواردات الروسية، تليها الإمارات بنسبة 20% للواردات والصادرات، وحلت السعودية في المرتبة الثالثة بنسبة 10% من الواردات و12% من الصادرات، فيما حلت في المركز الرابع والخامس كل من الجزائر والمغرب.

إذن على صعيد التبادلات التجارية مع روسيا نجد أن مصر من أكثر الدول تضرراً بالأزمة الأوكرانية حيث تبلغ الصادرات المصرية إلى روسيا أكثر من 500 مليون دولار تتركز بمعظمها على الحمضيات والخضروات. أما لجهة المستوردات المصرية من روسيا فتبلغ أكثر من 4 مليارات دولار تتركز في القمح وزيوت عباد الشمس وخامات الحديد والمعادن.

ولقد تسببت الحرب في أوكرانيا في تباطؤ حركة التبادلات التجارية بين البلدين وظهور العديد من الصعوبات اللوجستية والصعوبات المتعلقة بالتحويلات المالية، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار المعادن ولجوء مصانع الحديد في مصر للبحث عن مصادر بديلة للمعادن الروسية، فيما كانت أبرز المشكلات التي سببتها الأزمة هي في أسعار القمح حيث تعد روسيا أكبر موردي القمح إذ بلغت حصة روسيا من توريدات القمح إلى مصر نحو 50%، حيث تعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم بسبب احتياجاتها الكبيرة من القمح التي تبلغ 20 مليون طن سنوياً يغطى الإنتاج المحلي منها أقل من 50%، وقد دفعت الأزمة الأوكرانية بالحكومة المصرية إلى شراء 460 ألف طن من القمح الأوروبي في مناقصة دولية في شهر أبريل/نيسان، علماً بأن أعلى سعر للطن وصل في هذه المناقصة إلى 460 دولار شاملاً الشحن، وهو يمثل ارتفاعاً بنسبة 36% عن آخر صفقة لشراء القمح قامت بها الحكومة المصرية قبل الحرب الأوكرانية، أي أن خسارة مصر من مادة القمح فقط قد تتجاوز 58 مليون دولار من الصفقة الأخيرة فقط!

من ناحية أخرى تعد الإمارات من أبرز الشركاء التجاريين لروسيا في المنطقة العربية حيث توسع التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخير بشكل مضطرد، ونمت التبادلات التجارية بين البلدين لتصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار في عام 2020 تبلغ حصة روسيا منها نحو 5 مليارات دولار. ويعد الألماس والذهب إلى جانب المواد الغذائية والمعادن من أبرز صادرات روسيا إلى الإمارات.

فيما تحولت دبي إلى أبرز مراكز تجارة الترانزيت من وإلى روسيا. ويمكن القول بشكلٍ عام إن أبرز الأثار المترتبة على صعيد التبادلات التجارية بين الدول العربية وروسيا تتمثل في ارتفاع أسعار القمح والمعادن إلى جانب سلع أخرى كالفحم والبترول المكرر الذي يعد من أبرز السلع التي تصدرها روسيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الأضرار الاقتصادية انعكست على جميع الدول العربية بنسب متفاوتة. كما أن مصر تعد من أكثر المتأثرين خاصة ما يتعلق بصادراتها من الفاكهة والحمضيات والخضروات إلى روسيا، وكذلك أكثر المتضررين لجهة الاستيراد، بسبب حاجة مصر الكبيرة لكميات القمح المستوردة من روسيا، والتي تسببت الحرب بدفعها للبحث عن بديل للقمح الروسي بسعر مرتفع.

 

التأثيرات على التبادلات التجارية العربية- الأوكرانية

شهدت التبادلات التجارية العربية- الأوكرانية نمواً كبيراً خلال العقد الأخير إذ ارتفعت الصادرات العربية إلى أوكرانيا من 161 مليون دولار في عام 2010 إلى أكثر من 560 مليون دولار في عام 2020 بنسبة نمو تصل إلى أكثر من 245%، فيما بلغت الواردات العربية من أوكرانيا لنفس العام نحو 5.8 مليار دولار، بنسبة نمو لا تتجاوز الـ 9.5% مقارنةً بعام 2010. أي بالرغم من أن الواردات العربية من أوكرانيا أكبر بنحو 9 مرات من الصادرات العربية إليها، إلا أنها تنمو ببطء وشهدت تذبذبا في حجمها من سنة إلى أخرى.

أما عن الأهمية النسبية للتبادلات التجارية بين الدول العربية وأوكرانيا، فتشكل الصادرات السعودية نحو 24% من إجمالي الصادرات العربية إلى أوكرانيا تليها المغرب بنسبة 21% وسلطنة عمان بنسبة 19% والإمارات بنسبة 15%. وعن الهيكل السلعي للصادرات فتشكل المشتقات النفطية القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي معظم الصادرات إلى أوكرانيا، فيما تشكل الأسمدة (الطبيعية والكيميائية) والسيارات والأسماك معظم صادرات المغرب إلى أوكرانيا.  

وتحتل مصر الحصة الأكبر من الواردات الأوكرانية إلى الدول العربية، حيث تمثل حصة مصر من تلك الواردات نحو 28%، تليها السعودية بنسبة 12%، والعراق بنسبة 10%، والإمارات بنسبة 8%.

إذن لناحية الواردات فإن مصر هي الدولة الأكثر ارتباطاً مع أوكرانيا، كما في حالة التبادلات التجارية المصرية - الروسية، فإن الآثار التجارية للحرب في أوكرانيا تتمثل في النقص في واردات القمح وارتفاع اسعارها، وهو ما ينطبق أيضاً على حالة المغرب الذي يستورد نحو 12% من احتياجاته من القمح من أوكرانيا. 

 

أكبر الرابحين والخاسرين من ارتفاع أسعار الطاقة

بالرغم من أن جميع الدول العربية تأثرت سلباً بارتفاع أسعار المعادن والقمح وغيرها العديد من السلع الزراعية والغذائية الضرورية، إلا أن الدول العربية غير المصدرة للطاقة تضررت بصورة أكبر، إذ باتت الميزانية في كل من مصر والمغرب ولبنان والأردن وغيرها من الدول تتكبد المزيد من الأعباء بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة. بالمقابل فإن دول مجلس التعاون الخليجي وكل من العراق وليبيا والجزائر تحقق استفادة كبيرة من هذا الارتفاع، حيث بلغت عائدات العراق من النفط في شهر مارس/آذار فقط نحو 8.5 مليار دولار، وهو أعلى مبلغ تحققه الخزينة العراقية من واردات النفط منذ عام 1972. وبالطبع لم يقتصر الأمر على العراق فقد حققت الدول العربية المصدرة للنفط عوائد ضخمة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط، كذلك استفادت كل من قطر والجزائر من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وازدياد حاجة الدول الأوروبية إلى الغاز العربي بهدف تقليص الاعتماد على الغاز المستورد من روسيا، حيث وقع عملاقي الطاقة "سونطراك" الجزائري و"إيني" الإيطالي على مذكرة تفاهم تقضي بزيادة كمية الغاز الطبيعي المصدرة إلى إيطاليا.

تمنح الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة للدول العربية المصدرة إمكانية تغطية الارتفاع العام في أسعار السلع، لا سيما الزراعية والغذائية والمعادن، بل وتحقيق فوائض مالية، وبشكلٍ خاص لدول مجلس التعاون الخليجي، على اعتبار أن حاجتها لتلك السلع أقل من الجزائر والعراق اللتين تتمتعان بكثافة سكانية كبيرة.

خسائر القطاع السياحي من الحرب الأوكرانية

يعد القطاع السياحي من القطاعات الاقتصادية المهمة للكثير من الدول العربية خاصةً مصر والمغرب وتونس ولبنان، وقد سببت الأزمة الأوكرانية تداعيات سلبية على هذا القطاع بشكلٍ عام، لكن القطاع السياحي المصري هو الأكثر تضرراً على اعتبار أن نحو ثلث السياح الوافدين لمصر والذين يتراوح عددهم ما بين 13 إلى 15 مليون سائح سنوياً هم من الروس والأوكران، ومن المتوقع أن يتراجع أعدادهم بفعل الضائقة الاقتصادية التي يمر بها كلا البلدين وصعوبات التنقل والسفر والتحويلات المالية بالنسبة للسياح الروس.

 

الاثار المتربة على حركة رؤوس الأموال

لم تنعكس تداعيات الأزمة الأوكرانية على حركة التبادلات التجارية والسياحية فحسب، بل طالت أيضاً الاستثمارات العربية المتبادلة مع روسيا وأوكرانيا. أهم هذه التأثيرات وأكثرها عموميةً، هو لجوء المستثمرين إلى الاستثمارات الآمنة والابتعاد عن مخاطر الاستثمار في الدول العربية النامية، إذ بدأت رؤوس الأموال باللجوء إلى الاستثمار في سندات الخزينة والذهب والودائع البنكية لاسيما بعد أن رفع الفيدرالي الأمريكي من أسعار الفائدة، وهو ما أدى أيضاً إلى رفع تكلفة الدين العام الثقيلة أساساً على العديد من الدول العربية خاصةً لبنان ومصر وتونس.

وبخصوص الاستثمارات العربية - الروسية تظهر الأرقام أن المجموع التراكمي للمشاريع الاستثمارية الروسية في المنطقة العربية بلغت في عام 2020 نحو 40 مليار دولار، حيث تعتبر الإمارات العربية المتحدة من أكثر من الدول ارتباطاً من الناحية الاستثمارية مع روسيا، إذ تشكل الاستثمارات الإماراتية في روسيا نحو 80% من إجمالي الاستثمارات العربية في روسيا، بالمقابل فإن الاستثمارات الروسية في الإمارات تشكل ما يقارب من 90% من الاستثمارات الروسية في العالم العربي. حيث تصل عدد الشركات الروسية في الإمارات إلى أكثر من 4000 شركة. كذلك تعمل أكثر من 450 شركة روسية في مصر في قطاعي السياحة والطاقة بشكل رئيسي ويبلغ مجموع رأسمالها نحو 60 مليون دولار.

ومن المستبعد أن تتأثر الاستثمارات الروسية في المنطقة العربية بشكل كبير، أولاً بسبب تواضع حجمها وثانياً بسبب استثناء العقوبات الغربية على روسيا لقطاع الطاقة وهو أكبر القطاعات التي تنشط بها الشركات الروسية في المنطقة العربية، من جهة ثانية فإن أصحاب رؤوس الأموال الروس كانوا موضع ترحيب في الإمارات، بل من المرجح أن تستفيد إمارة دبي من تداعيات الأزمة الأوكرانية على أصحاب رؤوس الأموال الروس، حيث من المتوقع أن يزيد أعداد رجال الأعمال الروس المهاجرين من الغرب إلى دبي بحثاً عن ملاذ آمن لأموالهم.

 

 

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.