fbpx

الشباب العربي وسوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل الثورة الصناعية الرابعة Featured

 

حتى وقت قريب، كانت الدول الصناعية الكبرى تهيمن على إقتصادنا العالمي والتى إعتمدت بشكل كبير على توافر البنية التحتية المعقدة والمكلفة من اجل التعدين وإستخراج الموارد الطبيعية والصناعة. ولكن أدت التطورات الهامة والتي شملت الأزمة الإقتصادية العالمية في عام 2008، وإنتشار الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي وإنخفاض تكاليف التكنولوجيا إلي القضاء على هذا الإحتكار. وبالتالي، إتاحة ظهور نموذج إقتصادي أكثر شمولاً يزداد فيه بشكل تدريجي مشاركة الأسواق المهمشة في السابق في الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن تلك التطورات ليست هي الظاهرة الوحيدة التي لعبت دوراً محورياً في تغيير مسار إقتصادنا العالمي.

 

حيث كان للإندماج الغير مسبوق لعالمنا المادي والرقمي والحيوي، في مايسمى بالثورة الصناعية الرابعة، دوراً كبيراً في تحويل مسار إقتصادنا العالمي عن طريق خلق قطاعات جديدة ومبتكرة. بالإضافة إلى تمكين جيل جديد من رجال الأعمال قادرين على إعادة التفكير في المنتجات والخدمات المتوفرة في السوق، وقادرين كذلك على زعزعة القوة العامة التقليدية عن طريق دفع نماذج عمل جديدة تركز بشكل أكبر على المرونة والأعمال القائمة على المشاريع. كما كان لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 أثراً كبيراً في تحويل مسار أسواقنا العالمية من خلال التأكيد على ضرورة تشجيع التنمية والتي تعزز الممارسات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية الأكثر مسؤولية.

 

أثار التطور السريع للإقتصاد الرقمي العديد من التساؤلات حول مستقبل العمل. وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث توجد العديد من القوى العاملة والتي مازالت تعتمد على نسبة كبيرة من العمالة الغير ماهرة والغير مؤهلة بشكل رسمي. الأمر الذي جعل العديد من الأشخاص قلقون حول إستقرار وظائفهم. لكن هذا الخوف ليس كافياً لإيقاف أصحاب الأعمال في المنطقة من طرح الأسئلة الصعبة التي يجب طرحها من أجل تطوير فرص العمل والتعليم الضرورية لتأمين المستقبل الوظيفي للعالم العربي.

 

الوضع الراهن للشباب العربي

في الوقت الراهن، يمثل الشباب الأصغر من 25 عاماً حوالي نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكثر من ربع هؤلاء الشباب عاطلون عن العمل، ولكن تلك البطالة ليست ناتجة عن نقص التعليم فقط، حيث وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف والمهارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي نشره المنتدى الإقتصادي العالمي في مايو 2017، "فإن خريجي الجامعات يمثلون حوالي 30% من إجمالي الشباب العاطل في المنطقة، مع إثنان من كل خمسة خريجين عاطلين عن العمل." إذا لماذا يكافح العديد من الشباب لإيجاد فرص عمل؟

 

وتكمن المشكلة في الفجوة المتزايدة بين المهارات والكفاءات التي تقدمها المؤسسات التعليمية في المنقطة ومايحتاجه أصحاب الأعمال من الموظفين المحتملين. ومع ذلك، فإن الشباب العربي ليسوا هم الخاسرون الوحيدون نتيجة لعدم تطابق المهارات في المنطقة. حيث وفقاً لنفس التقرير، "فإن حوالى 40% من أصحاب الأعمال في المنطقة يشيرون إلى ان فجوة المهارة تشكل عقبة حقيقية أمام نمو الأعمال" وبالتالي، فإن هذا يسلط الضوء على الحلقة المفرغة والتى تزداد إتساعاً في العالم العربي نتيجة لعدم التوافق بين أصحاب المصالح المختلفين في المنطقة.

 

ومع ذلك، فإن أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي عندما يتعلق الامر بإطلاق الإمكانات الكاملة للإقتصاد العربي هي عدم قدرتها على الإستفادة بشكل بكامل من توفر العمالة الماهرة من الشباب المتعلم. وعلى الرغم من ان العجز في المهارات المذكورة سابقاً يمنع العديد من الشباب العربي من إيجاد وظائف، فإن العديد من الشباب العربي المؤهل يترددون في الإنضمام للقوى العاملة وذلك لأنهم غير راضين عن المرتبات او ظروف العمل في القطاع الخاص بالمنطقة. وبالتالي، فإن العديد من الشباب العربي يقررون الهجرة إلى دول توفر مرتبات ومميزات إجتماعية أفضل (مثل برامج التوجيه، والمساعدة التعليمية ورعاية الأطفال) الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تقليص حجم رأس المال البشري في المنطقة.

 

تطلعات الشباب العربي

سلط إستطلاع الرأي عن ثقة الباحث عن الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي نُشر في اغسطس 2017 بواسطة YouGov’s و Bayt.com الضوء على كيف ان "ثقة الباحث عن العمل تعد مؤشراً على تقدم البلد إقتصاديا" وبعبارة أخرى، فإذا كان الباحث عن وظيفة واثقاً من إقتصاد دولته ولديه مستوى جيد من الدخل، فإنه عادة يقوم بإنفاق المزيد من الأموال على السلع الإستهلاكية. لكن في حالة إذا ما كان الباحث عن الوظيفة غير متيقناً من حالة دولته الإقتصادية فإنه عادة مايلجأ إلى تحديد إنفاقه، الأمر الذي يؤدي الى خلق حالة من الركود العام في الإنفاق مما ينتج عنه إنكماش إقتصادي.

 

إذاً، ماذا يشعر الشباب العربي حول مستقبلهم؟ وفقاً لنفس إستطلاع الرأي المذكور اعلاه، فإن المشاركين من منطقة بلاد الشام وشمال أفريقيا كانوا بشكل عام أكثر تشاؤماً حول الوضع الراهن لإقتصاد بلادهم، وحالة أهاليهم المادية ومستقبلهم الوظيفي. ومن ناحية أخرى، أظهر المشاركون من دول الخليج العربي مستويات أعلى من التفائل في جميع نواحي الحياه. ومع ذلك، فإن المشاركين من كلا الجانبين كان لديهم نقطة مشتركة ألا وهي: أنهم لا يريدون وظائف في شركات.

 

وفي إستطلاع رأي أخر نشره موقع Bayt.com و YouGov بعنوان ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتاريخ نوفمبر 2017، أعربت الغالبية العظمى من المشاركين (حوالي 55% و 76%) من جميع أنحاء العالم العربي عن رغبتهم في إمتلاك أعمالهم الخاصة او ان يعملوا لحسابهم الخاص. وبعض من الأسباب وراء هذا الإختيار على حد قولهم شمل رغبتهم في الشعور بالإكتفاء الذاتي والقدرة على تحقيق التوازن بين العمل والحياه.

 

الوظائف المستقبلية في العالم العربي

ومما لاشك فيه، فبالرغم من ظهور العديد من التحديات الهائلة بالتزامن مع الثورة الصناعية الرابعة، إلا ان تلك الثورة كانت قادرة على توفير فرص جديدة لوظائف عالية القيمة في القطاع الرسمي وفي العديد من المجالات. ومع ذلك، فمن أجل تلبية هذا المطلب، سيتوجب على العمالة العربية الشابة البحث عن مؤهلات متعددة التخصصات والتي ستتيح لهم المزج بين المهارات الرقمية والأساسية. وبالتالي، توفير سوق العمل متعدد المهارات والضروري لدفع الإقتصاد الرقمي للأمام في العالم العربي. ومع ذلك، فإن الوظائف متعددة المهارات ليست الوحيدة التي لها إمكانية النمو في المستقبل القريب.

 

وبينما يستمر عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتزايد، فسيكون هناك حاجة إلى المزيد من المرافق العامة، والتي تشمل المدارس والطرق، وأنظمة النقل وما إلى ذلك. وبالتالي فإذا كان أصحاب المصالح في المنطقة يستطيعون تحديد تلك الإحتياجات، فسيكونون قادرين على توليد عدد كبير من الوظائف متوسطة ومنخفضة المهارات كنتيجة لذلك. وأيضاً، فإن إضفاء الصبغة الرسمية وتطوير العديد من خدمات الرعاية (مثل النظافة، ورعاية الأطفال والمسنين) ستجعل دول المنطقة قادرة على خلق المزيد من فرص العمل والتدريب للعمالة الغير ماهرة.

 

وفي حين يتوقع ان يولد الإقتصاد المعتمد على الزراعة ملايين الوظائف وبالتاي زيادة إجمالي الناتج المحلي للعديد من الدول العربية، إلا ان هناك توجهاً للإستفادة من قطاع كبير غير مستغل وهو: قطاع العمل الحر (الفريلانسر). في تقرير نشره معهد ماكينزي العالمي بعنوان سوق العمل الذي يعمل في عام 2015 والذي يقول انه بحلول 2025 فمن المتوقع ان تولد منصات العمل على الإنترنت مايعادل 945.000 وظيفة إضافية بدوام كامل وزيادة 21 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي في مصر و مايعادل 276.000 وظيفة إضافية و 32 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية.

 

الثقافات الضرورية لدفع التنمية الإقتصادية للدول العربية

وبالرغم من ان الدول العربية لديها القدرة على توليد ملايين الوظائف عبر العديد من القطاعات والمستويات المختلفة في المستقبل. إلا ان قدرتهم على تحقيق ذلك ستعتمد على إذا ماكانوا قادرين على رفع مهارات القوة العاملة لديهم. وأيضاً، ستعتمد على قدرتهم على تجهيز الشباب العربي اليوم بمهارات الغد. ومع ذلك، ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، سيتوجب على أصحاب المصالح في المنطقة دمج أربعة ثقافات أساسية في المجتمعات العربية.

 

أولاً، يجب تأسيس ثقافة التعاون بين أصحاب المصالح الرئيسين في المنطقة لضمان خلق منهج وخبرات تعليمية ستكون قادرة على تمكين الشباب العربي من الإزدهار. وثانياً يجب تعميم ثقافة محو الأمية الرقمية لتسهيل تحويل الإقتصاد العربي ليكون إقتصاداً مبنياً على المعرفة التي تولد الإبتكارات. وثالثاً، ثقافة الإستشارة والتي يجب ان يتم دمجها في العديد من مؤسسات المنطقة التعليمية وأماكن العمل، ليتمكن الشباب من تحديد قرارات أكثر إستراتيجية في حياتهم الشخصية والعملية. وآخيراً وليس آخراً، يجب تأسيس ثقافة التعلم مدى الحياة، ليتمكن الأفراد والمؤسسات في المنطقة من الإستمرار في معرفة التغييرات العالمية المستمرة.

 

وعلى الرغم من الفجوة الإقتصادية التي تفصل حالياً منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن الدول الصناعية الكبرى، إلا أن إزدهار الإقتصاد الرقمي قد خلق فرصة فريدة للدول العربية في إدارة هذا "التخلف" عن طريق الإستعانة بأفضل الممارسات التي ظهرت على ساحة التنمية في العامين الماضيين. والآن، يبقى السؤال: هل سيتمكن أصحاب المصالح في المنطقة من التعاون بشكل فعال في خلق وتنفيذ السياسات الضرورية لتحرير الإمكانات الغير محدودة للشباب والمهارات والموارد العربية؟

 

 

 

Last modified on Wednesday, 31 January 2018 18:19
Rate this item
(1 Vote)

Leave a comment

About Us

Enjoy the power of entrepreneurs' platform offering comprehensive economic information on the Arab world and Switzerland, with databases on various economic issues, mainly Swiss-Arab trade statistics, a platform linking international entrepreneurs and decision makers. Become member and be part of international entrepreneurs' network, where business and pleasure meet.

 

 

Contact Us

Please contact us : 

Cogestra Laser SA

144, route du Mandement 

1242 Satigny - Geneva

Switzerland

We use cookies on our website. Some of them are essential for the operation of the site, while others help us to improve this site and the user experience (tracking cookies). You can decide for yourself whether you want to allow cookies or not. Please note that if you reject them, you may not be able to use all the functionalities of the site.